من أحرم بالعمرة قبل غروب شمس آخر يوم من شعبان وطاف وسعى ليلة رمضان ، هل تعتبر عمرته في رمضان ؟
ذهب الحنابلة في المذهب إلى أن عمرته في شعبان لا في رمضان :
١ - لأنه أتى بنسك لا تتم العمرة إلا به وهو الإحرام في خارج رمضان ، فلم تقع عمرته في رمضان .
كمن أحرم بالعمرة في غير أشهر الحج ثم حل منها في أشهر الحج فإنه لا يكون متمتعاً - على المذهب -
كما لو طاف ، فإذا طاف في غير الأشهر الحرم لم يصح تمتعه ، فإذا أحرم بالنسك في غير أشهره لم يصح تمتعه، بجامع الركنية- من أركان العمرة - في كل - . فكذا ههنا لم تقع العمرة في رمضان لوقوع ركن من أركان العمرة وهو الإحرام في غير رمضان .
وأجيب : بأن الشافعي والثوري وغيرها قالا : عمرته في الشهر الذي يطوف فيه.
وقال عطاء ومالك : عمرته في الشهر الذي يحل فيه.
وقال أبو حنيفة : إن طاف للعمرة أربعة أشواط في غير أشهر الحج فليس بمتمتع، وإن طاف الأربعة في أشهر الحج فهو متمتع، لأن العمرة صحت في أشهر الحج بدليل أنه لو وطيء أفسدها أشبه إذا أحرم بها في أشهر الحج .
وعلى هذا فإن الإجماع منعقد على أن العمرة إذا وقعت كاملة في غير أشهر الحج أن التمتع لا يصح، قال في شرح المنتهى : أجمعوا على أن من اعتمر في غير أشهر الحج ثم حج من عامه فليس بمتمتع.
وذلك لقوله تعالى ( فمن تمتع بالعمرة إلى الحج) أي أوصل ذلك بالحج ، ولا يكون واصلاً له إلا إذا أحرم بالعمرة في أشهر الحج بالإجماع إلا شذوذاً من طاووس ، حيث قال : إذا اعتمرت في غير أشهر الحج ثم أقمت حتى الحج فأنت متمتع.
وبهذا تطرد قاعدة كل مذهب، فالحنابلة : العبرة بالدخول في النسك في كلا المسألتين ، والمالكية العبرة بالنهاية في المسألتين، والشافعية العبرة بالطواف، والحنفية العبرة بأغلب عدد أشواط الطواف.
٢ - وقياساً على الصلاة المفروضة ، فمن أحرم قبل دخول الوقت ثم دخل الوقت لم تصح فريضته، ولم نقس ذلك على النافلة ، لأن الحج والعمرة بمجرد الشروع فيهما تكون فريضة ويجب الإتمام. وعلى هذا فمن أحرم بالعمرة قبل دخول ليلة رمضان ، وطاف بعد غروب الشمس، لم تقع عمرته في رمضان مع صحتها.
والذي يترجح لي والعلم عندالله تعالى هو ما ذهب إليه الحنابلة للأسباب التالية :
١ - لما ذكروه من الأدلة ، إذ لا إشكال أن من أحرم بالعمرة قبل أشهر الحج لا يكون متمتعاً بها بالإجماع، ولكن الإشكال وقوع جزء منها خارج أشهر الحج وجزء داخل أشهر الحج،
فالحنابلة اعتبروا البداية ، والمالكية : اعتبروا النهاية ، والحنفية والشافعية اعتبروا الوسط.
والأقرب : اعتبار البداية، وما بعدها تابع لها،
والقاعدة أن الجزء لا يأخذ حكم الكل - كما تقدم في القواعد التسعون في الفقه والأصول -
وكما في حديث أبي سعيد( لأعلمنك أعظم سورة من القران قبل أن أخرج من المسجد) فلما وضع قدمه الأولى خارج المسجد علمه.
مما يدل على أن الشيء تابع لأوله.
وكذا المسبوق في صلاته ما أدركه مع الإمام هو أول صلاته لا آخرها على القول الراجح.
٢ - ولأن القياس على الصلاة المفروضة ، واضح وجلي.
٣ - ولأن القول بأن العبرة بالأعم الأغلب لأجزاء الشيء غير مطردة في العبادات، فمن أدرك ركعة مع الجماعة فقد أدرك الجماعة، ولو فاتته غالب أجزاء العبادة مع الجماعة .
ومن فاته عرفة فقد فاته الحج ولو أدرك أكثر أجزاء وأنساك الحج، وهكذا .
٤ - ولأن اعتبار آخر أجزاء العبادة لا يكون مدركاً للعبادة إلا ما دلّ الدليل عليه.
فمن أدرك آخر نسك في الحج وقد فاته الأنساك الأخرى لم يكن مدركاً للحج ، والقاعدة : القياس في الباب أولى من القياس خارج الباب.
وبهذا يترجح قول الحنابلة في نظري : أن من أحرم بالعمرة قبل دخول ليلة رمضان لم تقع عمرته في رمضان ، ولم يدخل في فضل حديث ( عمرة في رمضان كحجة معي )، والعلم عند الله تعالى .
كتبه / محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة/ جامعة أم القرى / مكة المكرمة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق