حكم الجمع بين الجمعة والعصر في السفر:
اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في ذلك على قولين:
* الأول: يجوز، وذلك إما أن تكون الجمعة بدلاً عن الظهر، والمبدل له حكم البدل. وذلك أنه إذا تعذر إقامة الجمعة وجب أن تصلى ظهراً.
وأما أن تكن صلاة مستقلة، فيجوز جمع الجمعة مع العصر، قياساً، على جواز الظهر مع العصر، بجامع أن كلاً منهما فريضة الوقت، كما جاز جمع الظهر مع العصر جاز جمع الجمعة مع العصر، لأن كلاً من الجمعة والظهر فريضة وقت واحد.
* القول الثاني: لا يجوز جمع العصر مع الجمعة، لأن الأصل في العبادات التوقيف، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جمع مع الجمعة العصر.
وقياساً على عدم جواز جمع العصر مع المغرب من أجل السفر، ولا الفجر مع الظهر، بالإجماع، لعدم ورود ذلك في الكتاب والسنة، ولأن العلة في الجمع بين الظهر والعصر في وقت إحداهما، وبين المغرب والعشاء في وقت إحداهما، دون بقية فرائض الصلوات غير معقولة المعنى، والقاعدة: لا قياس في التعبدات -وهي ما لم يكن معقول المعنى-.
وليست العلة في ذلك المشقة، لأن المشقة قد تكون أكبر وأقوى فيما بين الفجر والطهر، ومع ذلك لا تجوز بالإجماع.
والمشقة تجلب التيسير تكون في موضعين:
أ- إذا دلّ الدليل عليها، حتى وإن لم يكن في ذلك مشقةعلى جمع من الناس، لأن العبرة في الاعتبار الجنس لا المفرد -كما تقدم في القواعد- وذلك كالجمع بين المغرب والعشاء للمسافر.
ب- أن تكن المشقة زائدة عن المشقة المعتادة لذلك العمل المكلف به الإنسان، عندئذ تخفف الشريعة تلك المشقة غير المعتادة حتى تصل إلى المشقة المعتادة.
وهذا القول القائل بعدم جواز الجمع بين الجمعة والعصر، هو الأقرب في نظري، وذلك لأن الجمعة صلاة مستقلة بشروطها وأركانها، وكونها تجزيء عن الظهر للمسافر لا يلزم منه أنها بدل، وإنما تتعين البدلية عند العجز عن أداء الجمعة للمقيم ، والمسافر لا تلزمه الجمعة، فإذا صلى جمعة أجزأته عن الظهر لقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة ...) والذين: اسم موصول، فيدخل فيه المسافر، وعليه تصح منه الجمعة في السفر.
فهي صلاة مستقلة.
والقاعدة: البدل يأخذ حكم المبدل منه في الحكم.
كالتيمم له حكم الوضوء لمن عجز عنه -الوضوء-.
وهذا القول له حظ قوي من النظر، ويتجه الترجيح به على جواز الجمع بين الجمعة والعصر. إلا أن الصحيح أن الظهر هو البدل عن الجمعة لا العكس.
وأما من يرى أنها ليست بدلاً، بل هي أصل، وصلاة الظهر بدلاً عنها عند العجز عن أدائها فرع، والفرع أضعف من الأصل، فلا يتجه القول بالجواز، قياساً على عدم جواز الجمع فيما لم يرد به دليل، لأن العلة والمعنى غير معقول.
وكون كل من الظهر والجمعة، فريضة الوقت لا يعني جواز الجمع، لأن الجمعة ليست ظهراً ولا بدلاً عن الظهر، بل يكون الظهر بدلاً عنها ولا عكس، وهذا هو قول الجمهور، وهو الأرجح في نظري.
والعلم عند الله تعالى.
كتبه / محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق