عورة المرأة أمام المرأة:
حكم لبس الضيق للنساء:
---------
عورة المرأة أمام المرأة كعورة المرأة أمام محارمها، وهو ما يظهر منها غالباً في عصر التشريع.
والقاعدة: العرف المقارن للخطاب من مخصصات النص العام.
وذلك أن ما يظهر غالباً من المرأة أمام النساء يختلف باختلاف الأعراف، ومن تلك المجتمعات من تأثرت بالثقافات الغير إسلامية وكان فيها من التحلل والتفسخ ما لا يمكن أن يكون ضابطاً في حد عورة المرأة أمام المرأة، فيكون ما يظهر من المرأة أمام محارمها في عصر النبوة هو الضابط في ذلك.
وهذا ما ذهب إليه جماعة من الفقهاء.
وذهب آخرون إلى ان عورة المرأة أمام المرأة، من السرة إلى الركبة، كعورة الرجل أمام الرجل.
والأول في نظري أقرب وأضبط، وذلك أن القول بأن عورة الرجل أمام الرجل من السرة إلى الركبة فيه نظر، فإن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى يقول: عورة الرجل أمام الرجل تنقسم إلى قسمين: مغلظة، وهي السوأتان.
ومخففة: وهي ما بين السرة إلى الركبة، بدليل حديث البخاري لما كان النبي صلى الله عليه وسلم كاشفاً لفخذه، وعنده أبو بكر وعمر، حتى دخل عثمان فغطى فخذه، وقال: (ألا استحيي من رجل تستحي منه الملائكة).
ولو كانت الفخذ عورة مطلقاً لما كشفها النبي صلى الله عليه وسلم أمام أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما-.
وأما السوأتان فهما عورة بالإجماع.
وبناء على ما سبق: فإن عورة النظر للمرأة أمام المرأة التي سبقت تختلف عن عورة اللباس، فإن لبس الضيق الذي يحجم العورة ويثير الفتنة حرام.
والقاعدة: المباح إذا ترتب عليه فتنة كان حراماً -كما سبق توضيحه في القواعد-.
والمالكية: العورة المغلظة: الذكر والأنثيين من القبل، وما بين الليتين من الدبر، وأما ظاهر الليتين فهما -عندهم- من العورة المخففة.
مع العلم أن المالكية يروون تحريم النظر إلى المخففة لا المغلظة، خلافاً لشيخ الإسلام ابن تيمية حيث يرى أن جواز النظر إلى العورة المخففة جائز، وكرهه جماعة من أهل العلم -النظر للعورة المخففة- ونسب ذلك للجمهور.
والقاعدة: العورة المخففة لا بأس بهما في عورة النظر ما لم تكن فتنة، فمن باب أولى: أن عورة اللباس المخففة للمرأة لا بأس بها ما لم يترتب على تحجيمها فتنة للغير من النساء.
والظاهرية: العورة: الذكر، وحلقة الدبر فقط.
قال ابن حجر الهيتمي رحمه الله في «المنهاج القويم شرح المقدمة الحضرمية»: «(وشرط الساتر) في الصلاة وخارجها أن يشمل المستور لبسًا ونحوه مع ستر اللون فيكفي (ما يمنع) إدراك (لون البشرة ولو) حكى الحجم كسروال ضيق؛ لكنه للمرأة مكروه وخلاف الأولى للرجل».
ومع ذلك يشكل على لبس الضيق: ما رواه مسلم (صنفان من أهل النار لم أرهما بعد: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات، رؤوسهن كأسنمت البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا).
والجواب من أوجه:
١- أن من أهل العلم المحدثين من يضعف هذا الحديث، ويعلله.
٢- على فرض صحته: فيحمل على بقية المعاني المحتملة للحديث، بحيث تبدي من محاسنها -مع وجود الأثواب الساترة عليها- ما لا يحل لها أن تبديه، كما تفعل البغايا المشتهرات بالفسق. أو أنهن كاسيات من الثياب، عاريات من لباس التقوى؛ الذي قال الله تعالى فيه: {ولباس التقوى ذلك خير}.
٣- أن القياس يخصص بالنص العام.
وذلك أن كاسيات عاريات يخصص منه ما كان عورته مخففة للحديث السابق في كشف فخذ النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا كان ذلك في عورة النظر، ففي عورة اللباس من باب أولى.
٤- القاعدة: أن الوصف إذا علق على أوصاف متعددة، لا يجوز تعليقة على بعضها دون الآخر -وقد سبقت في القواعد-.
وعليه يكون كاسيات عاريات، مائلات مميلات: وصف واحد، مع بقية الأوصاف المذكورة في الحديث.
مع أن الورع والاحتياط وإبراء الذمة هو تجنب لبس الضيق للمرأة أمام المرأة حتى ولو يحصل لغيرها من النساء فتنة. وأما إذا حصلت القتنة بذلك فالتحريم واضح.
والله تعالى أعلم وأحكم.
كتبه : محمد بن سعد الهليل العصيمي / كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق