حكم تقبيل الخبزة الساقطة على الأرض إكراماً لها:
حكم تقبيل المصحف:
———————
الذي يظهر لي والعلم عند الله تعالى، جواز ذلك، وعدم بدعيته وتحريمه، وذلك للأسباب التالية:
١- لأنه من باب احترام النعمة، وتعظيم ما أشعر الله بتعظيمه، وفي البخاري: (ما خلأت القصواء وما ذاك لها بخلق ولكن حبسها حابس الفيل ثم قال والذي نفسي بيده لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها) وتقبيله كسرة الخبز من تعظيم حرمات الله، فتعظيم النعمة واستشعار أنها فضل من الله تعالى ونعمه تعظيماً وتقديراً لما ينبغي أن يقدر ويحترم، فهي من النعيم الذي يسأل عنه يوم القيامة: (والذي نفسي بيده لتسألن عن هذا النعيم) بعد ذبح الأنصاري لهم الشاة والأكل منها.
٢- أن تقبيل كسرة الخبزة الملقاة على الأرض ليس أمراً تعبدياً، حتى يكون توقيفياً لا يفعل إلا بنص. فليس هو كتقبيل الحجر الأسود، الذي العلة فيه غير ظاهره بل هو أمر تعبدي حيث قال فيه عمر رضي الله عنه: (والله إني لأعلم أنك حجر لا تنفع ولا تضر، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك).
٣- أن العلة في تقبيل كسرة الخبز ونحوها ظاهره، وهي التقدير والاحترام لما ينبغي أن يحترم من نعم الله تعالى (وما بكم من نعمة فمن الله). فقياسها على تقبيل الأب والأم وحافظ القرآن وذي الشيبة المسلم أولى من قياسها على الحجر الأسود.
٤- أن الأصل فيما سكت عنه الشارع الجواز:
(وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان).
وفي صحيح مسلم مرفوعاً: (إن أعظم المسلمين جرماً يوم القيامة من سأل عن شيء لم يحرم، فحرم من أجل مسألته).
وهذا التقبيل مما سكت عنه الشارع.
٥- أن في إكرام الخبز مرويات لا يصح منها شيء فيما نعلم.
٦- ومع ذلك فقد اختلفت كلمة الفقهاء في تقبيل الخبز فابن تيمية يرى أنه لا يشرع تقبيل الجمادات إلا ما استثناه الشرع.
واعتمده الحجاوي في الإقناع.
وعقد ابن مفلح في الآداب 231/3 فصلا سماه: (فصل في استحباب إكرام الخبز دون تقبيله، وشكر النعم).
وابن النحاس ت814 حكم في: (تنبيه الغافلين ص515) ببدعية تقبيل الخبز، وعدم جوازه.
والسيوطي في (الحاوي 221/1) نقل كلام ابن النحاس، ثم حمل البدعية على البدعة المباحة.
والشيخ زروق في (شرح الرسالة 1062/2) نقل عن ابن مرزوق أن: (الطعام إذا اختلط بالتراب بحيث لا يمكن النفع به سقطت حرمته).
وابن عابدين يقول في (الدر المحتار 384/6* عن تقبيل الخبز (قواعدنا لا تأباه).
والأظهر هو ما قدمناه من الجواز.
٧- ولأن تقبيل الخبز وتقبيل النقد عند استلامه إنما يقصد به الإحترام للنعمة وقبول القليل من النعم.
وهذا مما يقصد صاحبه الرضى والقبول ودوام النعمة.
٨- ويقاس على ذلك تقبيل المصحف، فيجوز على الأظهر.
٩- لو قيل: أن تقبيل المصحف، لو كان مستحباً أو واجباً لبينه النبي صلى الله عليه وسلم ولفعله الصحابة ولنقل إلينا.
فالجواب: هناك فرق بين الجواز والقول بالاستحباب أو الوجوب.
ونحن لا نقول بالاستحباب ولا الوجوب، ولكن الجواز داخل في أصل عام وهو من قصد بتقبيله المصحف التقدير والتعظيم والاحترام والإكرام، وهو مشروع لما عظمه الله ورفع قدره، ولا نقول إن عدم تقبيله يستلزم عدم احترامه وتعظيمه وتقديره، كلا وحاشا ولا، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: (لا يسألونني خطة يعظمون بها البيت إلا أجبتهم لها) ما لم تتضمن هذه الخطة معصية، فكذلك ههنا.
والله أعلم.
كتبه/ د.محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق