حكم الأكل مما أهدي إليه من فديته إذا كانت شاة في كفارة النسك :
—————
صورة المسألة : حاج وجبت عليه فدية ، فذبحها في الحرم ، وأعطاها مسكيناً، فأخذ المسكين منها يداً بعد قبضها، وأعطاها صاحب الفدية صدقة أو هدية ، هل يجوز له الأكل منها ، لكونها رجعت إليه بسبب آخر؟
——————
تعارض أصلان :
الأول : من أخرج شيئاً لله تعالى لا يجوز أن يرجع فيه ،( ليس لنا مثل السوء العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه).
وحديث: أن عمر رضي الله عنه أخرج فرساً في سبيل الله فأهمله صاحبه، فظن أنه يبيعه برخص، فقال صلى الله عليه وسلم :( لا تبتعه، وإن أعطاكه بدرهم ).
والأصل الثاني: أن تبدل سبب الملك كتبدل الذات .
واختلاف الأسباب بمنزلة اختلاف الأعيان .
لحديث: بريرة لما تصدق عليها بلحم ، قال صلى الله عليه وسلم : ( ائتوا به، هو لها صدقة ولنا هدية ).
فأقام - صلى الله عليه وسلم - تبدل سبب الملك من التصدق إلى الإهداء، فيما هو محظور عليه، وهو الصدقة، مقام تبدل العين .
ففيه : الأكل مما أهدي إليه أو تصدق به عليه
إذ إن الصدقة إذا تغيرت صفتها تغير حكمها فيجوز للغني أكلها وشراؤها .
وحديث:( لك ما تصدقت يا يزيد، ولك ما أخذت يامعن ).
وبناء على هذا من أخرج فدية في النسك بذبح شاة على فقير ، ثم أهداه الفقير منها قطعة لحم هدية، على الأصل الأول : لا يجوز لكونه رجع في شيء مما أخرجه لله تعالى .
كمن أخرج فرساً صدقة ثم اشتراها من صاحبها.
ويشكل عليه كون النبي صلى الله عليه وسلم أكل من هديه الذي أخرجه لله تعالى إهداء للبيت .
والجواب عنه : أن جمهور الفقهاء - خلافاً للشافعي - على جواز الأكل من هدي التمتع والقرآن ، لكون النبي صلى الله عليه وسلم حج قارناً، وقد أهدى للبيت مائة بدنة، وقطعت له من كل جزور قطعة ، فأكل من لحمها، وشرب من مرقها).
ومازاد عن سبع البدنة فهو تطوع .
وهذا يدل على جواز الأكل من هدي التمتع، وهدي التطوع ، بخلاف الفدية ونحوها مما كانت كفارة في فعل ما ارتكبه من المحظور ، فإن أكل منها شيئاً ضمنه بمقدار اللحم الذي أكله .
وهذا لكون دم التمتع والقرآن دم شكران - على قول - أو لكونه مستثنى من الأصل ، لورود الدليل على جوازه ، وبقي ما عداه على أصل المنع.
وعلى الأصل الثاني : يجوز ، لأنها خرجت منه صدقة، ورجعت عليه هدية ، بسبب إخر، واختلاف الأسباب ينزل منزلة اختلاف العين .
والأقرب في نظري والعلم عند الله تعالى : هو الأصل الثاني: وهو الجواز .
إذ القاعدة عند تعارض الأصلين : أن الأصل الأقرب في الباب أولى من الأصل الأبعد.
والقاعدة : القياس في الباب مقدم على القياس في خارج الباب .
- وقد تقدم تقريرها في القواعد الفقهية والأصولية -.
فيكون الأصل الثاني مقيد للأصل الأول : بمعنى ما أخرجه الإنسان لله تعالى لا يجوز له الرجوع فيه ، ولكن إذا رجع بسبب شرعي آخر صحيح صح .
وليس من الأسباب الشرعية الرجوع فيه بشرائه، لورود النص عن النهي عنه والحالة تلك( لا تبتعه ولو باعكه بدرهم )
ولكن من الأسباب الشرعية كونه رجع إليه بهدية ، أو ميراث ، كما في حديث معن ، وعند ذلك لا تعارض، فإن تبدل سبب الملك كتبدل الأعيان ، هذا من حيث الأصل إلا ما اسثني،
ويؤيد ذلك : أن هذا قبول هدية وليس رجوعاً.
( هو لها صدقة ولنا هدية ).
والله أعلم .
كتبه / محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة/ جامعة أم القرى / مكة المكرمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق