أركان الصلاة وواجباتها :
قاعدة : بيان المجمل الواجب واجب ، وبيان المجمل المستحب مستحب .
قال تعالى ( وأقيموا الصلاة وءاتوا الزكاة ...)
لا نعرف كيفية إقامة الصلاة إلا ببيان النبي صلى الله عليه وسلم لها ، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : ( صلوا كما رأيتموني أصلي)
فالأصل في بيان النبي صلى الله عليه وسلم لكيفية الصلاة الوجوب ، وصرف هذا الأصل من الوجوب إلى الاستحباب بحديث أبي هريرة رضي الله عنه في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمسيء في صلاته :( إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ، ثم استقبل القبلة ، فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تعتدل قائماً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تطمئن جالساً، ثم أسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها). ولأبي داود( ثم اقرأ بأم القرآن وبما شاء الله)
وله وللنسائي ( فإن كان معك قرآن فاقرأ وإلا فاحمدالله ، وكبره،وهلله ) حيث دلّ على تعيين الفاتحة في القراءة، لأنها أقل المتيسر جمعا بينه وبين الأدلة الدالة على اشتراطها( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ) وقد يكون المتعارف عندهم أن المتيسر من القرآءة أقله فاتحة الكتاب، والقاعدة : العرف المقارن للخطاب من مخصصات النص العام ( ما تيسر معك من القرآن) فإن لم تكن معه الفاتحة انتقل إلى ما تيسر من القران ) ، فإن لم يكن معه شيء من القران انتقل إلى الذكر ( الحمدلله، والله أكبر، ولا إله إلا الله).
فيكون ما ورد بيانه للصلاة في حديث أبي هريرة هذا واجب ، لأنه بيان للمجمل الواجب .
وما لم يرد فيه فهو غير واجب ويكون فعله صلى الله عليه وسلم بيان للمجمل المستحب ،- لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز - كما في حديث أبي حُميد الساعدي رضي الله عنه - عند البخاري - قال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم إذا كبر جعل يديه حذو منكبيه - مجمع رأس عظم الكتف والعضد - ، وإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه ، ثم هصر ظهره- ثناه في استوى من غير تقويس - ، فإذا رفع رأسه استوى حتى يعودٓ كل فقار - مفصل - مكانه ، فإذا سجد وضع يديه غيرٓ مفترش- بسط الذراعين على الأرض - ولا قابضهما - لا يضمهما على جسده عند سجوده - واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة، وإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى ، ، وإذا جلس في الركعة الأخيرة قدم رجله اليسرى ونصب الأخرى وقعد على مقعدته ).
فإن قيل يشكل على هذا أن التشهد الأخير ، والتسليم لم يذكر في حديث المسيء في صلاته - حديث أبي هريرة السابق - مع كونهما فرضاً
فالجواب : أن النص دلّ على فرضية التسليم بقوله صلى الله عليه وسلم ( تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم) وتجزيء تسليمة واحدة على القول الراجح ، لأن التسليم مطلق، والقاعدة : المطلق يصح بأقل ما يتناوله اللفظ.
وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم : سلم تسليمة واحدة قبل وجهه.
وكذا النص دلّ على فرضية التشهد الأخير ، لحديث ابن مسعود : كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد : السلام على الله من عباده، السلام على جبرائيل وميكائيل ....) فقوله قبل أن يفرض علينا التشهد دلّ. على أنه فرض بعد ذلك، وهذان الركنان ( التشهد والتسليم ) في آخر الصلاة لم يتناول حديث المسيء في صلاته محلهما بخلاف ما قبلهما فقد شرحه صلى الله عليه وسلم له، ولا تعارض بين مسكوت عنه ومنطوق به .ولو تناول محلهما وذكر شئياً وسكت عن آخر، لقلنا ما سكت عنه سنة وليس بواجب، ومع ذلك إذا سكت حديث المسيء في صلاته عن شيء فالأصل فيه السنية ما لم يأتِ دليل يدل على الفرضية .
وأما التشهد الاول فمن أهل العلم من يرى أنه واجب لكونه صلى الله عليه وسلم جبره بسجدتي السهو لما سها عنه، ولحديث ابن مسعود : كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد، - يشمل الأول والأخير - وصرف من الركنية إلى الوجوب لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرجع إليه عند ذكره، وهذا قول الحنابلة وهو أقرب، وقيل : بأنه سنة لحديث المسيء في صلاته .
والجواب عنه : أن حديث المسيء في صلاته ما لم يذكر فيه فهو مسنون ما لم يأتِ دليل يدل على الفرضية .
وعلى هذا مالم يذكر في حديث المسيء في صلاته فهو بيان للمجمل المستحب من قوله صلى الله عليه وسلم ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) مالم يأتِ دليل يدل على الركنية فيما لم يذكر فيه .
فما يتناوله حديث المسيء في صلاته صارف للأدلة الدالة على الوجوب إلى الاستحباب كأذكار الركوع والسجود والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء بين السجدتين، وقول سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، وهو قول الجمهور.
كتبه / أبو نجم / محمد بن سعد العصيمي / كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق