قاعدة: العلة المستنبطة تكون مطردة عند وجود شروطها وانتفاء موانعها.
فقد يتخلف الحكم عنها لعدم مصادفتها لمحلها، أو لفوات شرطها، كالسرقة من غير حرز، وسرقة أقل من نصاب، وكوجود الزنا دون الإحصان بالنسبة للرجم، ومن المانع: تخلف القصاص عن القتل لمانع الأبوة.
وقد يتخلف الحكم عن العلة من أجل معارضتها بعلة أخرى، ولا يعتبر ذلك نقضاً للعلة، كتعليل رق الولد برق أمه، معارض بعدم رق الولد من الزوج المغرور بالمرأة التي يظنها حرة فتبين أنها أمة، وذلك لأنها عورضت بعلة أخرى وهي الغرور الذي صار سبباً لحرية الولد.
ولا يقدح في القاعدة: ما علم أنه مستثنى من قاعدة القياس، كإيجاب الدية على العاقلة مع أن جناية الشخص علة لوجوب الضمان عليه هو دون غيره، وكإيجاب صاع من تمر في لبن المصراة مع أن علة إيجاب المثل في المثليات التماثل بينهما، وكبيع العرايا مع وجود المزابنة فيها، وورودها على علة كل معلل فكلها موجودة في العرايا فلم تتخلف عنها علة الربا، فمثل هذا لا ينقض العلة إجماعاً.
تنبيه: معنى اطراد العلة: استمرار حكمها في جميع محالها.
وقد ذهب جمع من العلماء إلى أن اطراد العلة المستنبطة ليس بشرط، وبه قال مالك والحنفية وبعض الشافعية، وأن العلة تبقى حجة فيما عدا المحل المخصوص كالعموم إذا خُصَّ.
والأول في نظري أقرب والعلم عند الله تعالى، لأن اطرادها هو دليل صحتها، ولو كان لها دليل غير اطرادها لقلنا من العام المخصوص، اللهم إلا إذا كان تخلف الحكم عن علته لكونه مما علل بالمظنة كالنوم مظنة الحدث، والسفر مظنة المشقة، فإذا تخلفت الحكمة في النوم لمعرفة عدم انتقاض وضوئه، لوجود من لازمه، أو وجود أجهزة تكشف عن حدثه إذا أحدث، لم يتخلف الحكم بكون النائم نوماً عميقاً ينتقض وضوؤه، وكذا إذا تخلفت المشقة عن المسافر، جاز له الترخص بأحكام السفر، فكل ما علل بالمظان، لا يتخلف الحكم بتخلف حكمته -وقد بينا ذلك في قاعدة: المعلل بالمظان لا يتخلف بتخلف حكمته-. والله تعالى أعلم.
كتبه / محمد بن سعد الهليل العصيمي / كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة.
كتبه / محمد بن سعد الهليل العصيمي / كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق