قاعدة : - كل من أدّى واجباًعن غيره لا بنية التبرع فله الرجوع ولو كان بغير إذنه إذا كان دفعاً للضرر.
فلاعبرة بالإذن الشخصي عند وجود الإذن الشرعي .
فإذا أدّى الواجب عن الغير بإذنه ، رجع على من أدّى عنه الواجب ، لأنه وكيل له .
وإن تعذر استئذانه ، فله الرجوع ، حفظاً من حصول الضرر عند عدم دفع الواجب ، فإن لم يكن هناك ضرر فلا رجوع له ، لأنه مفرط ، لوجوب الاستئذان عليه ، إذ إن ترك الواجب بلا ضرر عليه ديني أو دنيوي لا يلزم منه الفورية.
ويدل لذلك قوله تعالى ( فإن أرضعن لكم فاتوهن أجورهن) فأوجب الله أجرة المرضعة على المولود له بمجرد الإرضاع ، ولم يشرط عقداً، ولا إذناً.
ولقوله تعالى ( هل جزاء الإحسان إلا الإحسان)
وأنكر النبي صلى الله عليه وسلم على المرأة التي قابلت إحسان الناقة لها لمّا كانت سبباً في نجاتها من الأسر بالإسآة لمّا نذرت إن نجاها الله عليها لتنحرنها واعتبر ذلك معصية ، فقال صلى الله عليه وسلم ( بئسما جزيتيها به ، لا نذر في معصية الله ولا فيما لا يملك العبد) رواه مسلم .
ويدلّ لذلك أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( يا قبيصة إن المسألة لاتحلّ إلا لأحد ثلاثة : رجل تحمّل حمالة فحلت له المسألة حتى يُصيبها ثم يُمسك.....).
فلمّا تحمل الحمالة لا بنية التبرع جاز له الرجوع على مال الزكاة .
فإذا ترتب الضرر عند عدم دفع الواجب عن الغير فلاعبرة بإذن من لزمه الواجب ، لقوله صلى الله عليه وسلم ( لا ضرر ، ولا ضرار ).
لأن دفع الضرر واجب .
ولأن الناس تحت أمر الله ورسوله ، فليس لأحد أن يضر نفسه وماله وولده ضرراً نهاه الله عنه، ومن دفع ذلك الضرر عنه بما هو أخف منه ، فقد أحسن إليه ، ( هل جزاء الإحسآن إلا الإحسان) .
ومن نوى التبرع في أداء الواجب عن الغير فلا رجوع له ، لقوله صلى الله عليه وسلم ( ليس لنا مثل السّوء العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه).
وعلى هذه القاعدة : من دفع قيمة حليب الأطفال للطفل الذي يحتاج إليه لغياب وليّه لا بنية التبرع ، فله الرجوع بالقيمة على وليّ الطفل.
ومن دفع قيمة علف الضالّة لا بنية التبرع فله الرجوع على مالكها إذا وجدها.
ومن دفع الزكاة عن غيره لا بنية التبرع فله الرجوع على من وجبت عليه الزكاة . ولو كان ذلك يحتاج إلى نية لقول النبي صلى الله عليه وسلم لمّا اخبره عمر أن العباس منع الزكاة قال ( هي عليّ ومثلها معها) فظاهر هذا الحديث الإجزاء بغير نية المدفوع عنه ، وتكفي نية الدافع، وقال فيمن منع الزكاة ( إنا لآخذوها وشطر ماله ) وظاهره أن الزكاة تجزيء ممن أخذت منه قهراً بغير نية الزكاة .
وأن أبا هريرة لمّا كان حارساً على مال الزكاة وأعطى ذلك الرجل منها بغير إذن الرسول صلى الله عليه وسلم أجازه على ذلك التصرف.
وإذا كان الابن في حضانة أمه ، فأنفقت عليه لا بنية التبرع فلها الرجوع على الأب.
ومن استخرج من ظالم مالاً لغيره بمال فله الرجوع عمن دفع عنه ، لأنه محسن إليه .
وإذا توفي رجل ، فحتاج جمع ماله إلى جهد ، فهو عمل عملاً غير متبرع به، فوجب له أجر عمله ، وهكذا.
أما من دفع عن غيره ماليس بواجب على الغير بغير إذنه فليس له الرجوع ، لأن تصرفه والحالة تلك إبطال لحق الغير من الفعل أو الترك ، فيكون متعدياً بذلك التصرف ، فلا رجوع له .
والله تعالى أعلم.
كتبه / محمد بن سعد العصيمي / كلية الشريعة / جامعة أم القرى .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق