القاعدة الكبرى الثالثة :
المشقة تجلب التيسير
@ المشقة لغة : من الشق وهو انصداع في الشيء أو انخرام فيه .
واصطلاحاً: العسر والعناء الخارجين عن حد العادة في الاحتمال.
@ التيسير لغة : ضد العسر، وهو انفتاح الشيء وخفته .
وفِي الاصطلاح الفقهي : الإفتاء بما هو أيسر على الناس. ومنه الترخيص وهو في اللغة : التسهيل، واصطلاحاً: يطلق على معنيين :
الأول : الحكم النازل بالأيسر بعد ما هو أشد منه لعذر من الأعذار.
والثاني : ما استُبيح مع وجود السبب المقتضي للتحريم. كالعرايا وهي من أنواع المزابنة، وكقصر الصلاة الرباعية مع عدم وجود الخوف( وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا) ونحن نسافر ونقصر مع عدم وجود الخوف، صدقة من الله تصدق بها علينا ، كما جاء في الخبر.
ً
قال تعالى ( ما جعل عليكم في الدين من حرج)
وقال تعالى ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) وقال تعالى ( فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم ).
وضابط هذه القاعدة يكمن في شئين اثنين :
الأول : ما دلّ الدليل على الترخيص والتسهيل فيه، فيؤخذ بالرخصة عند وجود الحرج أو عدم وجوده ما لم يقيد بالنص بشرط أو ضابط.
فيجوز الجمع للمسافر بين الظهر والعصر في وقت إحدهما، ولا يجوز الجمع بين العصر والمغرب للمسافر في وقت إحداهما.
الثاني : أن المشقة غير المعتاد في التكليف بالعمل، فإن الشريعة تخفف ذلك العمل حتى يصل إلى حد المشقة المعتادة. - جنساً- المشاق المعتبرة في جنسها- في أو عرفاً-.
وهذه المشقة تدرك بالفعل أو بناء على غلبة الظن بالوقوع فيها عند الشروع في ذلك العمل.
@ القواعد المندرجة تحت هذه القاعدة :
١ - الضرورات تبيح المحظورات .
والضرورة لغة : مأخوذ من الاضطرار، فيقال : اضطره إلى كذا : الجأه إليه، وليس له منه بد.
واصطلاحاً: بلوغ الإنسان حداً إن لم يتناول المحظور هلك أو قارب الهلاك .
كالمضطر لأكل الميتة، بحيث لو لم يأكل لهلك، أو بقي جائعاً هزيلاً مريضاً مرضاً شديداً.
والمعنى : أن الوصول إلى حد الهلاك أو مقاربته إذا لم يكن للخلوص منه إلا طريق تناول المحرم شرعاً، فإنه يرخص في تناوله، شريطة أن يكن الضرر الحاصل بفعل المحرم أخف من الضرر الحاصل عند عدم وجود الأمر المحرم.
والضرورة لا تكن ضرورة إلا بشرطين :
١ - أن نتيقن أن بهذا الشيء تزول الضرورة .
٢ - أن لا يوجد غيرها يقوم مقامها.
٢ - هل الحاجة تنزل منزلة الضرورة .
جيء بها بصيغة الاستفهام للخلاف فيها- وقد فصلنا القول فيها -.
الحاجة لغة : من الحوج وهو الاضطرار إلى الشيء .
واصطلاحاً: ما تكون حياة الإنسان بدونها في عسرة شديدة .
وقيل : ما يفتقر إليه من حيث التوسعة ورفع الضيق المؤدي في الغالب إلى الحرج والمشقة اللاحقة بفوت المطلوب .
كإسقاط المبيت ليالي منى عمن فقد ابنه في الحج ويبحث عنه في غير منى.
فإن الحاجة ههنا تنزل منزلة الضرورة.
فالمراد بالحاجة : الافتقار إلى ما يقوم به الحال ، ويستمر معه المعاش، بحيث يؤدي عدم مراعاته إلى الحرج والضيق دون الهلاك أو خشيته - الهلاك - .
@ فكل ما احتاج إليه الناس في معاشهم ، ولم يكن سببه معصية - ترك واجب أو فعل محرم- لم يحرم عليهم .
لأنهم - والحالة تلك - في معنى المضطر الذي ليس يباغ ولا عاد. - قاله ابن تيمية في القواعد النورانية ص ١٦٥-
وياتي خلاف العلماء فيها وبيان الراجح مفرداً.
٣ - الميسور لا يسقط بالمعسور .
فإذا تعذر على المكلف القيام ببعض الواجب، وأمكن القيام بالبعض الآخر - وكان هذا البعض كونه عبادة - وجب عليه القيام بالممكن ، وسقط عنه ما تعذر عليه أو عجز.
٤ - الضرورات تقدر بقدرها : ما جاز لعذر بطل بزواله.
قال تعالى ( فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن الله غفور رحيم )
الباغ : الذي يبغي المحرم مع قدرته على الحلال.
والعاد : الذي يتعدى القدر الذي يحتاج إليه من المحرم.
٥ - إذا تعذر الأصل يصار إلى البدل.
٦ - الاضطرار لا يبطل حق الغير.
مع ملاحظة الفرق بين ما دفع أذاه من مال الغير ، فلا ضمان فيه، كما لو صال بعير على شخص فقتله لأنه لا يمكن دفعه إلا بقتله، فلا ضمان لصاحب البعير على قاتله، وبين من دفع الأذى به ، فعليه الضمان ، كما لو اتخذ بعير الغير ليتترس به عن العدو فقتل البعير، ففيه الضمان ، لأنه دفع الأذى به .
ولهذا أوجب النبي صلى الله عليه وسلم الكفارة على كعب بن عجرة لما حلق رأسه لدفع هوام الرأس ، لأنه دفع الأذى بحلق الرأس.- وقد سبق بيان ذلك -.
كتبه / محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة/ جامعة أم القرى / مكة المكرمة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق