حكم اشتراط الضمان على المستأجر والمستعير
العين المستأجرة، والعين المعارة ، لا ضمان فيها على المستأجر ولا على المستعير، ما لم يحدث منهما تعد- فعل ما لا يجوز- أو تفريط - ترك ما وجب - .
وذلك لأن يدهما يد أمانة ، وكل من كانت يده يد أمانة فلا ضمان عليه إلا إذا تعدى أو فرط .
وكل من قبض الشيء بإذن من الشارع، أو بإذن من المالك، فيده يد أمانة .
فإن شرط عليهماالضمان ، كان وجود هذا الشرط كعدمه لمن يعلم بفساده، ومن لم يعلم بفساده فله الخيار عند علمه بين الإتمام والفسخ. إذ إنه شرط فاسد غير مفسد للعقد.
ووجه كونه فاسد : لأنه مخالف لمقتضى العقد الشرعي، وهو كون الضمان على المالك عند خروج العين بإذن منه إلى غيره على وجه الأجرة أو الاستعارة، لأن الخراج بالضمان، وذلك عند عدم التعدي أو التفريط من الغير .
ولما يترتب على ذلك من أكل أموال الناس بالباطل ، ففي حديث أنس رضي الله تعالى عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى تزهي فقيل له وما تزهي قال حتى تحمر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيت إذا منع الله الثمرة بم يأخذ أحدكم مال أخيه .
وروى مسلم في صحيحه من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لو بعت من أخيك ثمراً فأصابته جائحة ، فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئاً ، بم تأخذ مال أخيك بغير حق؟) وفِي رواية له : أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بوضع الجوائح.
والجائحة : هي كل ما لا يمكن دفعه ولا تضمينه إذا أُتلف العوض أو أنقص قبل التمكن من القبض .
فإن قيل : هذه حقوق المخلوقين ، وهي تسقط بإسقاطهم لها، بخلاف حقوق الله تعالى.
فالجواب : أن النهي في المعاملات إذا كان يعود لحق الله تعالى فإن النهي للفساد، وإذا كان النهي يعود لحق المخلوقين فإن النهي لا يقتضي الفساد، وعلامة ذلك عدم سقوط الحق بتراضي الطرفين على الإسقاط ، نعلم أنه من حقوق الله تعالى لا من حقوق المخلوقين.
وعند اشتراط الضمان في العين المستأجرة أو المعارة على المستأجر أو المستعير بلا تعد منهم ولا تفريط، يكون في ذلك من الغرر العظيم ما لا تجيزه الشريعة، فقد يأخذ العين وفجأة تتعطل عليه بلا تعد منه ولا تفريط فيتكلف مبالغ طائلة من غير ذنب اقترفه.
@ فإن قيل : ما الجواب عن حديث ( استعار من صفوان أدرعاً، فقال : أغصب يا محمد، فقال: بل عارية مضمونة)
فالجواب : أن الحديث ضعيف.
فإن قيل : ما الجواب عن الاستدلال بقوله تعالى ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها..).
فالجواب : أن الأمانات تؤدى إذا كانت باقية، أما إذا تلفت فالآية ليس فيها دليل على وجوب الرد، لأن الأمانات زالت وتلفت.
فإن قيل : إن المستعير لما شرط عليه الضمان فقد آجره بعوض، وهو بذل العوض عند حصول التلف، فما المانع حينئذ.
فالجواب : أن هذا عوض مجهول يترتب عليه غرر غير يسير فكان محظوراً.
@ فإن قيل : عند الضرورة يرخص تناول مال الغير بغير إذنه بشرط الضمان كحال المخمصة .
فالجواب : ليس في هذا الدليل دليل على وجود الضرورة ، إذ الضرورة لا تكن ضرورة إلا بشرطين : ١ - أن نتيقن أن بهذا الشيء تزول الضرورة.
٢ - أن لا يوجد غيرها يقوم مقامها.
وعند فقد أحد هذين الشرطين تنتفي الضرورة .
ثم إن عدم الدليل المعين لا يستلزم عدم المدلول المعين .
وبناء ذلك نستخلص قاعدة وهي : كل شرط ينافي مقتضى العقد مما الحق فيه لله تعالى فهو شرط لاغ.
لقوله صلى الله عليه وسلم ( كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل ) أي ليس في كتاب الله تعالى لا بعمومه ولا بخصوصه .
كتبه / أبو نجم / محمد بن سعد العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق