حكم من انتسب إلى غير قبيلته، مع علمه بذلك .
وحكم من انتسب إلى قبيلة غير قبيلة من أعتقه.
وحكم من انتسب إلى جده دون أبيه .
وحكم من انتسب إلى عمه .
-----
لا يجوز للمسلم أن ينتسب إلى غير أبيه، ولا يجوز له أن ينتسب إلى غير قبيلته أو عائلته وهو يعلم أنها غير قبيلته ، ولا يجوز للرقيق أو العتيق أن ينتسب إلى غير أبيه ولا إلى غير مواليه ، ومن خالف فقد فعل كبيرة من كبائر الذنوب ، وعرض نفسه للوعيد الشديد الوارد في النصوص التالية :
١ - روى البخاري ومسلم عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام ).
قال ابن دقيق العيد في كتابه إحكام الأحكام في شرح حديث أبي ذر رضي الله عنه: ليس من رجل ادعى لغير أبيه ..." الحديث، يدل على تحريم الانتفاء من النسب المعروف، والاعتزاء إلى نسب غيره، ولا شك أن ذلك كبيرة لما يتعلق به من المفاسد العظيمة. انتهى.
٢ - أبي ذر مرفوعاً : ( ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر ومن ادعى قوماً ليس له فيهم نسب فليتبوأ مقعده من النار)متفق عليه.
والمراد به الكفر الأصغر لا الأكبر، لأن العلماء : أجمعوا على أن من فعل ذلك لا يخرج من الإسلام .
٣ - عن واثلة بن الأسقع مرفوعاً : (إن من أعظم الفري أن يدعي الرجل إلى غير أبيه) رواه البخاري.
٤ - حديث علي بن أبي طالب مرفوعاً : (ومن ادعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا ً) رواه مسلم.
٥ - حديث أبي هريرة مرفوعاً : (لا ترغبوا عن آبائكم ، فمن رغب عن أبيه فهو كفر)متفق عليه.
٦ - حديث أبي هريرة مرفوعاً : (اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في الأنساب، والنياحة على الميت ) رواه مسلم.
٧ - جاء في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من ادعى إلى غير أبيه ، أو انتمى إلى غير مواليه، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً) .
• وقال عمر بن الخطاب : (إنا كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله أن: "لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم" أو "إن كفراً بكم أن ترغبوا عن آبائكم ) .
متفق عليه .
ففي هذه النصوص بيان أن من انتسب لغير أبيه من كفر النعمة والإحسان لحق الله وحق أبيه.
ولما في ذلك من نفي الفضل عن أهله ونسبته لغير أهله.
والنسب للوالد هو شيء أراده الله ، فلا يجوز للعبد أن يريد خلافه وإلا كان معترضاً على قضاء الله وحكمته.
ولما فيه أيضاً من الكذب على الله وقد قال تعالى ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ) (الأنعام21). لأن الله نسبه لأبيه، وهو كذب على الله بحيث نسب نسب نفسه إلى غير من نسبه الله تعالى إليه.
وهو مخالف لما أمره الله تعالى به ، حيث قال تعالى ( ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ) (الأحزاب5)، فهو ضد القسط وهو ظلم عظيم.
وفيه أيضاً : أن من انتسب إلى غير أبيه أو قبيلته : متشبِّعٌ بِما لَم يُعط، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (المتشبِّعُ بِما لَم يُعْطَ كلابس ثوبَي زور )متفق عليه.
ولما فيه أيضاً من عقوق للوالد وقطع للرحم وللتوارث و لحقوق النفقة وللعقل.
وخلطة للأنساب.
@ فإذا قيل : هل يجوز أن ينتسب إلى جده أو عمه ، لأن هؤلاء يسمون آباء حيث .قال تعالى عن يوسف عليه السلام ( واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب )فسمى الجد أباً.
وقال تعالى ( أم كُنتُم شهداء إذ حضر يعقوب الموت ، إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلهاً واحداً ونحن له مسلمون ).
حيث سموا العم لهم وهو إسماعيل أباً .
فالجواب : لا يجوز للإنسان أن ينتسب إلى الجد أو العم في التسمي دون الأب، - وهذا هو قول شيخنا ابن باز وابن عثيمين - أما الانتساب لهم على وجه الانتماء والقرابة فلا بأس ، أي أنه ينتمي لهم ، وله بهم قرابة ، فلا بأس، أما أن يعمد في تسمية نفسه إلى جده أو عمه رغبة عن نسبة نفسه إلى أبيه فلا يجوز ، كما في حديث أبي هريرة السابق : ( لا ترغبوا عن آبائكم فمن رغب عن أبيه فهو كفر ).
ولأن الاشتراك في الإسم لا يعني الاشتراك في الحكم، فكون العم والجد يسمى أباً لا يعني أن له حكم الأب في الميراث وغيره من الحقوق .
وكما لا يجوز أن ينسب نفسه في التسمية إلى العم ، فكذا لا يجوز إلى الجد مع أن كلاً منهم يسمى أباً.
فإذا انتمى الإنسان إلى جده أو قبيلته أو إلى كل من بينه وبينه قرابة دون أن ينتفي من أبيه، ولم يرغب عنه ، وإنما لشهرته أو أنه ينتمي إليه ،
أو أن يعرف الناس بقربه منه فلا بأس بذلك، لقول النبي صلى الله عليه وسلم :
أنا النبي لا كذب. أنا ابن عبدالمطلب .
فهو لم ينفي نسبه عن أبيه ، وإنما ذكر جده لكونه معروفاً عند قريش وأشهر من أبيه .
و الوعيد يتناول الذي يرغب عن نسبه إلى أبيه أو قبيلته، فينتسب لغيرهما، فهو غير راضٍ بحسبه ونسبه ، ويريد أن يرفع نسبه ويدفع خسيسته بالانتساب لغير أصله.
والمعنى في الإنتماء إلى غير الأب من القرابة : لا رغبة عن أبيه وإنما إخباراً بالإنتماء إلى جده وعمه أو قبيلته .
قال ابن حجر رحمه الله: "وفي الحديث تحريم الانتفاء من النسب المعروف، والادعاء إلى غيره، وقيد في الحديث بالعلم ، ولا بد منه في الحالتين ، إثباتا ونفيا ، لأن الإثم إنما يترتب على العالم بالشيء المتعمد له" انتهى من فتح الباري (6/ 541).
وقال العيني رحمه الله: " قَوْله: (وَمن ادّعى قوما) أَي: وَمن انتسب إِلَى قوم. قَوْله: ( لَيْسَ لَهُ فيهم نسب ) ، أَي: لَيْسَ لهَذَا الْمُدَّعِي فِي هَذَا الْقَوْم نسب، أَي: قرَابَة" انتهى من عمدة القاري (16/ 80).
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (20/ 392): " حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم على كل مسلم ومسلمة أن ينسب إنسانا له أو إلى غيره وهو ليس كذلك، أو يدعي نسبه إلى شخص أو قبيلة وهو كاذب، ويدل لذلك ما رواه أبو ذر رضي الله عنه، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر، ومن ادعى قوما ليس له فيهم نسب فليتبوأ مقعده من النار » متفق عليه وفي رواية: «إن من أعظم الفرى أن يدعى الرجل إلى غير أبيه »" انتهى.
@ لا يجوز له أن ينتسب إلى غير قبيلته من أجل الجنسية، إلا عند الضرورة ، أو لتحصيل مقصود صحيح شرعاً لا يمكن التوصل له إلا بالإخبار عنه بخلاف الواقع ، فلا يعتبر كذباً شرعاً - كما قررناه في القواعد الفقهية والأصولية عند بيان هذه القاعدة وذلك في الشبكة العنكوبتيه - كأن يكون المقصود من ذلك ليتحقق له الهجرة إلى بلد المسلمين، والفرار من ديار الكفار التي فيها حكم الإسلام ليس بغالب - كما سبق إيضاحه - .
@ حديث ( حليف القوم منهم ) رواه أحمد وغيره، ولا يعني جواز الإنتساب إلى غير أبيه أو قبيلته، وقيل أيضاً : إنه منسوخ بحديث : ( لا حلف في الإسلام ، وأيما حلف في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة ) والحلف : هو المعاهدة . والمراد به هنا ما كان يفعل في الجاهلية من المعاهدة على القتال والغارات وغيرهما مما يتعلق بالمفاسد ( وأيما حلف في الجاهلية ) : المراد منه ما كان من المعاهدة على الخير كصلة الأرحام ونصرة المظلوم وغيرهما ( لم يزده الإسلام إلا شدة ) : أي تأكيدا وحفظا على ذلك .
قال الطبري : لا يجوز الحلف اليوم ، فإن المذكور في الحديث والموارثة به وبالمؤاخاة كله منسوخ لقوله تعالى ( وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض ) وقال الحسن : كان التوارث بالحلف فنسخ بآية المواريث .
أما ما يتعلق بالإرث فنسخت فيه المحالفة عند جماهير العلماء ، وأما المؤاخاة في الإسلام والمحالفة على طاعة الله تعالى والتناصر في الدين والتعاون على البر والتقوى وإقامة الحق فهذا باق لم ينسخ ، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم في هذه الأحاديث وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم ( لا حلف في الإسلام فالمراد به حلف التوارث والحلف على ما منع الشرع منه .
وبهذا يجمع بين حديث( حالف بين المهاجرين والأنصار ) وحديث ( لا حلف في الإسلام ).
وقال ابن كثير بعد إيراد حديث جبير بن مطعم :( لا حلف في الإسلام ). وهذا نص في الرد على من ذهب إلى التوارث بالحلف اليوم كما هو مذهب أبي حنيفة وأصحابه ورواية عن أحمد بن حنبل ، والصحيح قول الجمهور ومالك والشافعي وأحمد في المشهور عنه ، ولهذا قال تعالى : ( ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون ). أي ورثة من قراباته من أبويه وأقربيه وهم يرثونه دون سائر الناس . انتهى .
قال النووي : المنفي حلف التوارث وما يمنع منه الشرع ، وأما التحالف على طاعة الله ونصر المظلوم والمؤاخاة في الله - تعالى - فهو أمر مرغب فيه .
الخلاصة :
١- لا يجوز أن ترغب عن اسم أبيك ، وتنتسب إلى عمك أوجدك، كما يكتب في بطاقة الأحوال فلان بن ... ويذكر اسم جده دون أبيه.
٢ - كل من علم أنه ينتمي إلى قبيلته، يجب عليه أن يصحح ذلك وينتمي إلى قبيلته .
٣ - كل من أعتقه قوم لا يجوز أن ينتسب إلى غير القبيلة التي أعتقته .
كتبه / محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق