حكم تأجير الرافضة والشيعة بيوتاً بالمدينة :
في حديث علي بن أبي طالب - رضي الله عنه في الصحيحين : ( المدينة حرام ما بين عير إلى ثور ، فمن أحدث فيها حدثاً ، أو آوى محدثاً، فعليه علنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً..).
والحدث شرعاً : الابتداع في الدين ما ليس منه، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم ( من أحدث في امرنا - أي في ديننا - هذا ما ليس منه فهو رد ). فيكون الحدث : الأمر المنكر غير المعروف في السنة .
والبدعة : هي إحداث في الدين لم يكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم .
قال تعالى ( أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ) فليس لأحد أن يشرع في دين الله تعالى ما ليس منه .
فالبدعة خلاف طريقة النبي صلى الله عليه وسلم قولاً واعتقاداً وفعلاً.
@ وكذا كل ما توفر سببه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يفعله، مع وجود المقتضي ، وانتفاء المانع، فتركه سنة وفعله بدعة .
@ ( أو آوى محدثاً ) : أي حماه ونصره، وآزره، ومنع من أراد منعه أو عقوبته .
قال الله تعالى : ( إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين ءاووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض، والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا، وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق والله بما تعملون بصير ).
وقال تعالى ( والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقاً لهم مغفرة ورزق كريم ).
فيكون معنى آوى محدثاً: أي آوى الذي جاء ببدعة في الدين وحماه ونصره ومنع غيره منه ممن أراده بحق .
وعلى هذا التفسير للحديث لا يدخل أصحاب المعاصي صغيرها وكبيرها في الوعيد الوارد في الحديث السابق ، إلا من أحدث فيها بدعة أو آوى مبتدعاً بمعنى حماه وناصره، ومنع غيره عنه ممن أراده بحق.
وكذا لا يدخل في الوعيد الوارد في الحديث : من أجر للرافضة أو غيرهم من أهل البدع بيوتاً للسكنى فيها، ولا يعني ذلك جوازه ، فإن من كانت بدعته مكفرة لا يجوز أن يمكن من الاستيطان في جزيرة العرب، لما في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى عند موته : ( أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ).وهي من بحر العرب جنوباً إلى العراق والشام شمالاً، ومن البحر الأحمر غرباً إلى الخليج العربي شرقاً. حيث يطلق على شبه الجزيرة في لغة العرب : جزيرة .
وكذا لا يجوز تأجير بيوت المدينة أو غيرها للإعانة على الإثم والعدوان، كتأجير محلات الشيش والمعسل والغناء، ونحو ذلك ، لأن المعين كالفاعل . ولكن ذلك لا يدخل في الوعيد الوارد في حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه السابق .
مع العلم أن من أهل العلم من توسع في ذلك فأدخل فيه الكبائر والفتنة وغير ذلك .
فقد قال ابن حجر في فتح الباري: وَالْمُرَادُ بِالْحَدَثِ، وَالْمُحْدِثِ: الظُّلْمُ، وَالظَّالِمُ عَلَى مَا قِيلَ. أَوْ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ عِيَاضٌ: وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا عَلَى أَنَّ الْحَدَثَ فِي الْمَدِينَةِ مِنَ الْكَبَائِرِ، وَالْمُرَادُ بِلَعْنَةِ الْمَلَائِكَةِ، وَالنَّاسِ الْمُبَالَغَةُ فِي الْإِبْعَادِ عَنْ رَحْمَةِ اللَّهِ. قَالَ: وَالْمُرَادُ بِاللَّعْنِ هُنَا الْعَذَابُ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ عَلَى ذَنْبِهِ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ، وَلَيْسَ هُوَ كَلَعْنِ الْكَافِرِ. انتهى.
وجاء في شرح مسلم للنووي: قَالَ الْقَاضِي: مَعْنَاهُ مَنْ أَتَى فِيهَا إِثْمًا، أَوْ آوَى مَنْ أَتَاهُ وَضَمَّهُ إِلَيْهِ، وَحَمَاهُ... وَالْمُرَادُ بِاللَّعْنِ هُنَا الْعَذَابُ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ عَلَى ذَنْبِهِ، وَالطَّرْدُ عَنِ الْجَنَّةِ أَوَّلُ الْأَمْرِ، وَلَيْسَتْ هِيَ كَلَعْنَةِ الْكُفَّارِ الَّذِينَ يُبْعَدُونَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى كُلَّ الْإِبْعَادِ. اهـ.
والذي يظهر هو الأول لما بينا ، والله تعالى أعلم وأحكم .
كتبه / محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق