حكم أخذ المرأة المتزوج عليها عوضاً من زوجها بسبب زواجه عليها:
* هل يجوز للمرأة أخذ عوض إذا تزوج زوجها عليها؟
----
لا يجوز للمرأة التي تزوج عليها زوجها أن ترغم زوجها على دفع عوض لها على ذلك، ولا يجوز لأهلها ولا من دخل في موضوعهما أن يُرغَموا الزوج على أن يدفع لها شيئاً من المال من أجل هذا السبب، ولا حق لها في أن يدفع لها كما دفع لضرتها من المهر، وذلك لأن التعدد في الزوجات من حق الزوج، ولا تشترط فيه موافقة الزوجة، ( فَانكِحُوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم).
وقد تزوج النبي صلى الله عليه وسلم عدداً من النساء.
ولا يجوز لأحد أن يكره شيئاً من أمور الدين، قال تعالى: (ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم) فمن كره الدين أو شيئاً منه، أو كره الملتزمين بالدين من أجل التزامهم بالدين، فهذا نفاق أكبر، يخرج صاحبه من الملة عياذاً بالله تعالى من ذلك.
والنساء كلهن عموماً أو غالباً يكرهن الضرة والزواج عليها لا من باب كراهة التشريع ذاته بل هي كراهة نفسية لما ينبي عليه من المشاركة في زوجها وليلتها وميراثها وغير ذلك، نظير قوله تعالى: (كتب عليكم القتال وهو كره لكم).
وقال تعالى: (وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم).
ففرق بين الكراهة النفسية فلا بأس بها، كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم في الضب: (إني تجدني نفسي تعافه).
* وإذا أعطى الرجل زوجته التي تزوج عليها مالاً بسبب زواجه عليها بطيب نفس منه تطييباً لخاطرها، فلا بأس بذلك. وهو من حسن العشرة المستحبة لا الواجبة.
ففرض عقوبات على الزوج بسبب زواجه يعتبر إرغاماً له، وخروجاً للمال من غير طيب نفس منه، وأخذ المال بغير طيب نفس من صاحبه لا يحل إلا بحق كالزكاة والنفقة، وفِي الحديث: (لا يحل مال امريء مسلم إلا بطيب نفس منه).
فمثلاً: من النساء من تقول: لا أرجع إلى بيتك إلا بكذا وكذا.
* فإن أًُرغم الزوج على ذلك: كان حلالاً للزوج فعل ذلك، حرام على الزوجة هذا المال.
لأن الظلم إنما يوجب التحريم على الظالم لا على المظلوم -وقد سبق شرح هذه القاعدة في القواعد-.
* إذا كانت قد اشترطت قبل العقد أو معه أن لا يتزوج عليها، فهل له الخروج من الشرط بالمال:
فمن يرى أن هذا الشرط باطل، -كالمذهب عند الحنابلة- فلا أثر لهذا الشرط على هذه المسألة.
ومن يرى صحة الشرط لحديث: (إنما فاطمة بضعة مني يريبني ما أرابها ويؤذيني ما آذاها، والله لا تجتمع بنت نبي الله، وبنت عدو الله عند رجل واحد)، فيحتمل أن المحرم هو الجمع بين بنت نبي الله وبنت عدو الله، فتكون هي العلة في التحريم، أو تكون العلة: هي أذية رسول الله لتأذي ابنته، وكلاهما يكون من خصائصه صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن المراد، نظير قول أنس بن النظر: (والله لا تكسر ثنيتها) من باب القسم على الله تعالى من قوة حسن الظن بالله في عدم تحقق ما لا يريده، وهو وإن كان محتملاً إلا أن ما قبله أصرح منه، ولا عبرة بالدلالة في مقابلة النص، وعلى هذا فلا دلالة بحديث فاطمة في صحة اشتراط عدم الزواج عليها.
قال ابن التين: "أصح ما تُحمل عليه هذه القصة: أن النبي صلى الله عليه وسلم حرَّم على علي أن يجمع بين ابنته وبين ابنة أبي جهل؛ لأنه علل بأن ذلك يؤذيه، وأذيته حرام بالاتفاق".
وقال ابن حبان في صحيحه: "هذا الفعل لو فعله علي كان ذلك جائزاً، وإنما كرهه صلى الله عليه وسلم تعظيماً لفاطمة، لا تحريما لهذا الفعل".
وقال الحافظ ابن حجر: "السياق يشعر بأن ذلك مباحٌ لعلي ، لكنه منعه النبي صلى الله عليه وسلم رعاية لخاطر فاطمة، وقَبِلَ هو ذلك امتثالاً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم".
* فهل لها أن تأخذ على ذلك عوضاً حتى تعود وتسقط حقها في الفسخ.
من نظر إلى التفريق بين المنفعة والانتفاع -كما حررناه أكثر من مرة- فقال هذا حق اختصاص فلا يؤخذ عليه عوضاً كحق الشفعة، وحق إسقاط حد القذف.
ومن نظر إلى إعادة منفعة بدنها، مع حقها عن امتناعها بسبب الشرط أجاز، وهذا في نظري أقرب، لأنه أخذ عوض على منفعة بدن.
وذلك على ترجيح صحة اشتراط عدم الزواج عليها، وفِي القول بعدم الصحة فلا إشكال.
والله تعالى أعلم.
كتبه : محمد بن سعد الهليل العصيمي / كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق