حكم مكث الحائض والجنب في المسجد:
ذهب الجمهور ومنهم الأئمة الأربعة: أنه لا يجوز لبثهما في المسجد، للأدلة التالية:
١- لقوله تعالى: (ياأيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنباً إلا عابري سبيل).
قالوا والمعنى: لا تقربوا مواضع الصلاة، بدليل (ولا جنباً إلا عابري سبيل) فالجنب يجوز أن يدخل مع باب، ويخرج من الباب الآخر.
والجواب: أن التفسير الآخر للآية: أن المراد بالصلاة هي الصلاة لا موضعها.
والقاعدة: ما لا يحتاج إلى إضمار، أولى مما يحتاج إلى إضمار.
(ولا جنباً إلا عابري سبيل) أي إذا كُنتُم جنباً في السفر ولم تجدوا ماء فصلوا بعد التيمم.
ويرجح هذا التفسير أيضاً: أن النص إذا كان يحتمل أكثر من معنى، أحدهما يوافق النصوص الأخرى، والآخر يعارضها، فالمقدم ما وافق فيه بقية النصوص.
وهذه قاعدة الراسخين في العلم: يردون المتشابه إلى المحكم.
٢- ما رواه الشيخان من حديث أم عطية رضي الله عنها قالت: (أمرنا أن نخرج العواتق -الشابات البالغات أو المقاربات البلوغ-
والحيض في العيدين، يشهدن الخير ودعوة المسلمين، ويعتزل الحيض المصلى)
فإذا كان الحيض يعتزلن المصلى، فاعتزال الحيض للمساجد من باب أولى.
والجواب: أن في رواية مسلم (يعتزلن الصلاة) وفِي لفظ عند الطبراني وفي إسناده ضعف (يعتزلن الصف) فيكون المراد بالمصلى الصلاة.
وبما أن الحديث مخرجه واحد، فلفظ الصحيحين أرجح مما تفرد به مسلم.
وعند التحقيق لا تعارض بين جميع هذه الألفاظ، فالمراد باعتزال المصلى للحيض: أي موضع ومكان صلاة من صلى منهن، فلا يقطعن الصفوف حال صلاة من لم تكن منهن حائضاً، بل ينعزلن قريباً منهن. فالمراد: اعتزال مكان الصلاة الذي تقام فيه الصفوف، خصوصاً أن المصليات آنذاك غير محددة بحد وسور.
فيكون انعزال الحيض: حال الصلاة، ليتسع على النساء الطاهرات مكان صلاتهن بلا تخلل الحيض بينهن، حيث لا يليق ذلك في الصفوف التي ينبغي أن تكون كالبنيان المرصوص.
وأما اعتزال الحيض للصلاة فهذا مجمع عليه.
وبهذا يتضح المعنى والعلم عند الله تعالى.
٣- حديث (لا أحل المسجد لحائض ولا جنب).
والجواب عنه أنه ضعيف.
٤- قول النبي صلى الله عليه وسلم: ناوليني الخمرة، فقالت: (إني حائض) فقال: (إن حيضتك ليست في يدك).
حيث أفاد أن المقرر عندهم أن الحائض لا تدخل المسجد، وأمرت بمناولة الخمرة، لأن الجزء لا يأخذ حكم الكل.
والجواب عنه: أنه حجة عليكم لا لكم، لأن اليد وكذا سائر البدن غير الرحم ليس به دم الحيض، فلا يضر دخوله في المسجد، وكذا الحَيْضَة إذا تحفظت المرأة وأمن حدوث النجاسة منها في المسجد فلا بأس. لأن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، فإذا كانت الحَيْضَة ليست في اليد، فكذلك الحَيْضَة في موضعها مع الأمن من تعدي المكان بالنجاسة في حكم اليد، بجامع عدم حدوث التنجيس في كل.
* وذهب جمع من الفقهاء ومنهم المزني من الشافعية، والظاهرية وغيرهم: إلى أن المرأة الحائض والجنب، يجوز مكثهما في المسجد، وهو الأقرب في نظري، للأدلة الآتية:
١- ما جاء في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: (أن وليدة سوداء كان لها خباء في المسجد، وكانت تأتيني تتحدث عندي).
والأصل حيض المرأة فهو مما كتبه الله تعالى على بنات آدم.
٢- قول النبي صلى الله عليه وسلم: (المؤمن لا ينجس) فإذا كانت الحائض والجنب ليس بنجس فما المانع من مكثه في المسجد.
٣- القياس على الكافر، حيث يجوز مكثه في المسجد، حيث ربط ثمامة بن أثال في سارية من سواري مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك قبل إسلامه، فإذا جاز للكافر، فللمسلم -إذا كان جنباً، أو المسلمة إذا كانت حائضاً- من باب أولى.
والله تعالى أعلم وأحكم.
كتبه / محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة/ جامعة أم القرى / مكة المكرمة.
ذهب الجمهور ومنهم الأئمة الأربعة: أنه لا يجوز لبثهما في المسجد، للأدلة التالية:
١- لقوله تعالى: (ياأيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنباً إلا عابري سبيل).
قالوا والمعنى: لا تقربوا مواضع الصلاة، بدليل (ولا جنباً إلا عابري سبيل) فالجنب يجوز أن يدخل مع باب، ويخرج من الباب الآخر.
والجواب: أن التفسير الآخر للآية: أن المراد بالصلاة هي الصلاة لا موضعها.
والقاعدة: ما لا يحتاج إلى إضمار، أولى مما يحتاج إلى إضمار.
(ولا جنباً إلا عابري سبيل) أي إذا كُنتُم جنباً في السفر ولم تجدوا ماء فصلوا بعد التيمم.
ويرجح هذا التفسير أيضاً: أن النص إذا كان يحتمل أكثر من معنى، أحدهما يوافق النصوص الأخرى، والآخر يعارضها، فالمقدم ما وافق فيه بقية النصوص.
وهذه قاعدة الراسخين في العلم: يردون المتشابه إلى المحكم.
٢- ما رواه الشيخان من حديث أم عطية رضي الله عنها قالت: (أمرنا أن نخرج العواتق -الشابات البالغات أو المقاربات البلوغ-
والحيض في العيدين، يشهدن الخير ودعوة المسلمين، ويعتزل الحيض المصلى)
فإذا كان الحيض يعتزلن المصلى، فاعتزال الحيض للمساجد من باب أولى.
والجواب: أن في رواية مسلم (يعتزلن الصلاة) وفِي لفظ عند الطبراني وفي إسناده ضعف (يعتزلن الصف) فيكون المراد بالمصلى الصلاة.
وبما أن الحديث مخرجه واحد، فلفظ الصحيحين أرجح مما تفرد به مسلم.
وعند التحقيق لا تعارض بين جميع هذه الألفاظ، فالمراد باعتزال المصلى للحيض: أي موضع ومكان صلاة من صلى منهن، فلا يقطعن الصفوف حال صلاة من لم تكن منهن حائضاً، بل ينعزلن قريباً منهن. فالمراد: اعتزال مكان الصلاة الذي تقام فيه الصفوف، خصوصاً أن المصليات آنذاك غير محددة بحد وسور.
فيكون انعزال الحيض: حال الصلاة، ليتسع على النساء الطاهرات مكان صلاتهن بلا تخلل الحيض بينهن، حيث لا يليق ذلك في الصفوف التي ينبغي أن تكون كالبنيان المرصوص.
وأما اعتزال الحيض للصلاة فهذا مجمع عليه.
وبهذا يتضح المعنى والعلم عند الله تعالى.
٣- حديث (لا أحل المسجد لحائض ولا جنب).
والجواب عنه أنه ضعيف.
٤- قول النبي صلى الله عليه وسلم: ناوليني الخمرة، فقالت: (إني حائض) فقال: (إن حيضتك ليست في يدك).
حيث أفاد أن المقرر عندهم أن الحائض لا تدخل المسجد، وأمرت بمناولة الخمرة، لأن الجزء لا يأخذ حكم الكل.
والجواب عنه: أنه حجة عليكم لا لكم، لأن اليد وكذا سائر البدن غير الرحم ليس به دم الحيض، فلا يضر دخوله في المسجد، وكذا الحَيْضَة إذا تحفظت المرأة وأمن حدوث النجاسة منها في المسجد فلا بأس. لأن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، فإذا كانت الحَيْضَة ليست في اليد، فكذلك الحَيْضَة في موضعها مع الأمن من تعدي المكان بالنجاسة في حكم اليد، بجامع عدم حدوث التنجيس في كل.
* وذهب جمع من الفقهاء ومنهم المزني من الشافعية، والظاهرية وغيرهم: إلى أن المرأة الحائض والجنب، يجوز مكثهما في المسجد، وهو الأقرب في نظري، للأدلة الآتية:
١- ما جاء في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: (أن وليدة سوداء كان لها خباء في المسجد، وكانت تأتيني تتحدث عندي).
والأصل حيض المرأة فهو مما كتبه الله تعالى على بنات آدم.
٢- قول النبي صلى الله عليه وسلم: (المؤمن لا ينجس) فإذا كانت الحائض والجنب ليس بنجس فما المانع من مكثه في المسجد.
٣- القياس على الكافر، حيث يجوز مكثه في المسجد، حيث ربط ثمامة بن أثال في سارية من سواري مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك قبل إسلامه، فإذا جاز للكافر، فللمسلم -إذا كان جنباً، أو المسلمة إذا كانت حائضاً- من باب أولى.
والله تعالى أعلم وأحكم.
كتبه / محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة/ جامعة أم القرى / مكة المكرمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق