من وهب شياً لسبب هل يجوز صرفه لغيره:
من أخذ شيئاً لسبب هل يجوز صرفه لغيره:
--------
روى مسلم وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تعمروا ولا ترقبوا فمن أعمر شيئاً أو أرقبه فهو له حياته ومماته).
هذا هل يقاس على ذلك كل هبة مقيدة: تصح الهبة ويبطل الشرط -كما هو المذهب عند الحنابلة-، مع أن الأصل أن المالك لا يخرج من ملكه إلا ما أذن فيه.
فالجواب: نعم يبطل الشرط وتصح الهبة، لأن الإذن الشرعي مقدم على الإذن الشخصي.
ولا يشكل على ذلك العارية، لأنها ليست هبة وإنما هي: إباحة نفع، لا تمليك لرقبة الشيء وعينه.
ولا يشكل على ذلك الوصية فإنها تكون بحسب شرط الموصي (فمن بدله بعدما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه...). فإن هذا من التصرف بالمال قبل انتقال الملكية من ذمته إلى ذمة الغير.
ولا يشكل على ذلك الوكيل، فإن من ملك شيئاً بالإذن فلا يحق له التصرف إلا بحسب ما أذن له فيه، والوكيل ينزّل منزلة الأصيل فهو يتصرف قبل وصول الحق إلى مستحقه.
* وهل يجوز للفقير ومن تحل له الزكاة: صرف الزكاة في غير ما بذلت له فيه، مثل أن يعطيه زكاة ماله ليسدد غرماءه ، فصرفها في نفقته.
فالجواب: نعم، لأن هذا تمليك، وليس من باب إباحة النفع فقط كالعارية، من أذن له في العارية أن يذهب بها -السيارة مثلاً- إلى مكة لا يجوز أن يذهب بها إلى تبوك إلا بإذن المالك.
* ففرق بين التصرف قبل الملك وبعده.
وفرق بين التملك وإباحة النفع.
فمن كان وكيلاً لا يتصرف إلا بإذن موكله، وبحسب إذنه، ولا يجوز له التعدي والتجاوز في غير ما أذن له فيه.
ومن كان مالكاً كالفقير بعد قبض الزكاة، له أن يتصرف في المال الذي دفع له من الزكاة في غير ما دفع له فيه، لقوله تعالى: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم...) فهذا تمليك لهم بدون حجر عليهم في التصرف فيما كان ملكاً لهم بعد قبضه.
كمن أعطي زكاة ليسدد دينه، فصرفها في نفقته. وتخصيص المزكي على المزكى عليه، تخصيص ليس من حقه شرعاً، فكان وجوده كعدمه. فهو حق للفقير في مال الغني، والإذن الشرعي مقدم على الإذن الشخصي.
وإذا كان الشرط في الهبة -كالعمرى والرقبى- لا عبرة بشرط الواهب -كما سبق في حكم العمرى والرقبى- فلا عبرة بالشرط في الزكاة من باب أولى.
* فإذا قيل: إن الأفضلية في مصارف الزكاة تختلف في الأجر، وإن لم تختلف في الإجزاء، فالزكاة على الفقراء أفضل من الزكاة على الغارمين، لأن حاجة الأكل والشرب لدفع الضرورة، ولأن الله تعالى بدأ بها في آية بيان أصناف أهل الزكاة، وإلى غير ذلك، فكيف يجوز ما صرف للفاضل أن يصرف للمفضول.
فالجواب: أن هذا عند صرفه يكتب له أجر نيته، وبعد الصرف انتهى فعله، ونيته لا تمنع تصرف غيره. (لك ما نويت يا يزيد، ولك ما أخذت يا معن).
والله تعالى أعلم وأحكم.
كتبه / محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة ام القرى / مكة المكرمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق