حكم كتابة الدين بأكثر منه تحسباً لأجور المطالبة عند عدم السداد:
حكم توثقة الدين وأجور المطالبة بالصورة الربوية:
فمثلاً: يبيع رجل سيارته بمائة ألف ريال ديناً يحل بعد سنة، ويكتب عليه الدين بمائة ألف ريال وعشرة آلاف، فإذا سدد في الوقت أخذ منه المائة فقط، وإن لم يسدد في الوقت المحدد، أخذ مائة وعشرة، والعشرة مقابلة أجور المطالبة.
وكمثل أيضاً: رجل يقرض الناس، ويكتب عليهم شيكات بأكثر مما أقرضهم، تحسُّبًا لاتعاب المطالبة، فيقرض رجلاً ٥٠ ألفاً، ويكتب عليه شيكاً بـ ٥٥ ألفاً، لأتعاب المطالبة، فإذا سدده المدين ولو بعد الأجل بأشهر رضي منه بقدر الدين، وإذا امتنع المدين من السداد أخذ قيمة الشيك مع غرم المطالبة. فما الحكم؟
----------
القاعدة في ذلك: التوصل إلى المشروع بالطريقة المحرمة حرام.
فالتوصل إلى سداد الدين مشروع بالطرق الشرعية: كالكتابة، والشهود، والرهن، والمطالبة بما ترتب عليه من الأضرار المادية بسبب تأخره عن السداد من غير عذر شرعي، قال تعالى: (وأشهدوا إذا تبايعتم)، (وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتباً فرهان مقبوضة).
وأما تأخر المدين عن السداد لعذر، فلا يجوز تغريمه ولا شكايته، ولا حبسه، قال تعالى:(وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة).
وأخذ أجرة المطالبة ممن لا تجوز مطالبته حرام.
وأما التوصل إلى التوثقة بالصورة الربوية فلا تجوز.
فإذا كان المدين معسراً، أو كانت الزيادة على الدين أكثر من تكلفة الشكاية، فتحريمها ظاهر لا إشكال فيه، لأن المدين المعسر تحرم شكايته كما سبق، ولحديث: (لي الغني يحل عرضه وعقوبته) ومفهومه لي غيره لا يحل عرضه وعقوبته.
وإذا كانت الزيادة على الدين أكثر من التكلفة الفعلية للشكاية، فهو من القرض الذي جر نفعاً، وإذا كانت زيادة على الدين فهو من ربا الجاهلية: زد وتأجل.
وأما إذا كانت الزيادة بقدر التكلفة الفعلية، وكان التأخر في السداد من المدين من غير عذر، فهل يجوز التوصل إلى سداد الدين مع أجور المطالبة الفعلية بالصورة الربوية:
فالجواب: لا، لأن الطريقة المحرمة لا تكون ضرورة إلا بشرطين:
أ- أن نتيقن أن بهذه الطريقة تزول الضرورة.
ب- أن لا يوجد غيرها يقوم مقامها.
وهذان الشرطان لم يتوفرا فيها.
فهناك طرق كثيرة شرعية للتوصل إلى المشروع بدون الوقوع في المحذور.
وكون المقرض يشرط زيادة قبل أن تقع المماطلة تحسباً لأجور المطالبة، تترتب عليه المحاذير التالية:
١- اجراء العقد على صورة ربوية، والعبرة بالمنظور لا بالمنتظر، فالتأخير لم يقع بعد، والمطالبة قد لا يحتاج إليها، وقد يحتاج إليها وليس لها قيمة عرفاً، والأصل في الأمور العارضة العدم.
٢- قد يموت الدائن، فيطالب الورثة بالربا.
٣- قد يوافق المدين على الزيادة لاحتياجه، والقيمة الفعلية للمطالبة أقل من الزيادة، فيقع في صورة الربا.
٤- قد تكون سبباً في استعجال الدائن بالمطالبة ليحصل على أجرة المطالبة، فتكون من القرض الذي جر نفعاً له، أو لغيره ممن أراد توكيله بالمطالبة.
٥- أن اجراء صورة الربا بعذر ما قد يحصل، لا يجوز، ولا تدعو إليه الضرورة، وفي المشروع كفاية عن الممنوع، ففي الإشهاد، والكتابة كفاية في التوثيق، ثم ما يحصل له من الضرر المادي يطالب به إن أراد عند حصوله.
* فإن قيل: الشكاية: لها متسبب وهو المدين المماطل، ولها مباشر: وهو الدائن المحتاج إلى المطالبة بحقه أو من ينيبه.
ولا يضمن المتسبب عند وجود المباشر.
فالجواب: أن المباشرة مبنية على السبب، ومتى كانت المباشرة مبنية على سبب ضمن المتسبب، كالجلاد وشهود الزور، فإن مباشرة الجلاد مبنية على سبب شهادة الشهود، فإذا تبين شهادة الزور بعد فعل الجلاد، ضمن الشهود لا الجلاد.
* فإن قيل: إذا تم العقد في توثقة الدين بالصورة الربوية: فهل يشرع الصلح، في رد الدين وما يصطلحان عليه من أجور المطالبة.
فالجواب: إذا كان الصلح لا يترتب عليه محذوراً شرعياً فلا بأس، لقوله صلى الله عليه وسلم: (المائة شاة والوليدة رد عليك، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام).
ومن المحاذير: أن يأخذ الدائن أكثر من أجرة المطالبة الفعلية، أو يأخذ أكثر من الدين إذا كان تاخر السداد لعذر.
والله تعالى أعلم.
كتبه / محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق