حكم قطع النسل:
حكم تحديد النسل:
الفرق بين قطع النسل، وتحديده:
---------
من أهل العلم من منع قطع النسل، إلا لحاجة أو ضرورة، ومنع ما أشبه قطع النسل، كمنع النسل مؤقتاً من غير حاجة أو ضرورة...
-فمنع الإنسان من الإنجاب مطلقاً يسمى قطعاً للنسل، ومنعه مؤقتاً، يسمى تحديداً للنسل-.
وذلك للأدلة التالية:
١- قوله صلى الله عليه وسلم: (تزوجوا الولود الودود، فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة)
ففيه دليل على أن من مقاصد الشريعة التكاثر، لما فيه من تقوية الأمة، وهيبتها.
والجواب: أن المقصود يحصل بعموم الأمة، وقطع النسل من بعضها لا ينافي حصول الجملة، ولهذا لا يجب النكاح ما لم يكن له سبب يقتضيه على الأرجح، لقوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا}
فجعل ملك اليمين بدلاً للنكاح، وملك اليمين لا يجب بالإجماع فكذا ما جعل التخيير فيه بدلاً عنه. وكذا يجوز تزوج المرأة العقيم مع تحقق عدم الإنجاب منها، مما يدل على أن الأمر للاستحباب أو الخطاب لمجموع الأمة التي يحصل به المقصود الشرعي، ولا يتعين على أفرادها إلا إذا نقص عن تحقق المقصد الشرعي، فيكون المقصود العمل لا العامل، كالفرض الكفائي.
٢- ولقوله تعالى عن شعيب عليه السلام: (واذكروا إذ كنتم قليلاً فكثركم).
والجواب: أن هذا امتنان من الله تعالى على قوم شعيب، بالقضاء الكوني، وليس فيه الأمر الشرعي بالكثرة، وعلى فرض ذلك فحصوله بالأمر بسببه على سبيل الاستحباب لا الوجوب.
* والقاعدة: شرع من قبلنا شرع لنا، إذا ثبت أنه شرع لهم في شرعنا، ولم ينسخه شرعنا. وههنا ليس فيه تشريع لهم وإنما امتنان من الله بما فعل بهم من تكثيرهم، فيكون مستحباً لنا فعل الأسباب التي تؤدي إلى تكثيرنا، ولا يجب.
* ولأن مقصود الشرع يحصل بمجموع الأمة، ولا ينافيه مخافة بعض أفرادها.
٣- ولقوله تعالى ممتناً على بني إسرائيل: (وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا).
والجواب عن الاستدلال بالآية: كما سبق في الدليل الذي قبله.
٤- أن في مقصود الشرع التكاثر، وفي القول بجواز القطع من أفرادها يؤدي إلى منافاة مقصوده، فيمنع منه سداً للذريعة.
والجواب: أن القول بسد الذرائع مشروط بغلبة الظن بحصول المحظور، ومنع أفراد منها أنفسهم من التناسل لا ينافي حصول مقصود الشاع بالتكاثر إلا تخيلاً ووهماً، وفي الحديث: (إن الله إذا أراد شيئاً خلقه). (إنا كل شيء خلقناه بقدر).
٥- أن في جواز قطع النسل منافاة للضرويات الخمس التي جاء الإسلام بحفظها.
والجواب: أن هذا المقصود يحصل بالمجموع فلا يحرم على الفرد إلا إذا أدى ذلك إلى قطع نسل مجموع الأمة. ولهذا لم يحرم العزل كما سيأتي بيانه.
٦- ولقوله تعالى: (ورهبانية ابتدعوها)، ولحديث: (نهانا عن التبتل ولو لم ينهنا لتبتلنا).
وقوله صلى الله عليه وسلم في الذي قال: أما أنا فلا أتزوج النساء: (من رغب عن سنتي فليس مني).
فالجواب: ليس كل تبتل منهي عنه، فما لم يكن مخالفاً للشرع، فلا بأس به، وذلك أن التبتل ينقسم إلى قسمين:
ممنوع: وهو الانقطاع للعبادة على غير هدي النبي صلى الله عليه وسلم. سواء كان ذلك بالتشدد والتعمق، أو التعبد لله بما لم يشرعه الله تعالى، أو نحو ذلك. وعليه تحمل الآية: (ورهبانية ابتدعوها) وحديث: (فمن رغب عن سنتي فليس مني)، وحديث: (نهانا عن التبتل) الذي هو على غير وفق الشرع المطهر.
ومن التبتل ما هو محمود: وهو الانقطاع للعبادة على وفق شرع الله تعالى. ومنه قوله تعالى: (واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلاً).
وبعد هذا العرض فالذي يترجح في نظري والعلم عند الله تعالى أن قطع النسل بما لم يحرم فعله شرعاً -كالعزل مطلقاً، أو ضرب إبرأة تمنع من الإنجاب مطلقاً- لا عن طريق الاختصاء، جائز شريطة أن لا يصل إلى حد منع التناسل في الأمة، كمنع الأمة من التناسل، أو منعها مما يؤدي إلى تقليلها، أو منع الفرد أو الأفراد لسوء الظن بالله لعدم رزقهم، فإنه يحرم والحالة تلك.
ومما يؤيد ذلك بالشروط السابقة: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن العزل، فقال: (إن الله إذا أراد شيئاً خلقه). ولم يفرق بين كون ذلك لحاجة أم لا، ولم يفرق بين كونه مؤقتاً أو مطلقاً. ويشترط في العزل إذن الحرة، لحديث: (لا يعزل عن الحرة إلا بإذنها).
وأما الامة فيجوز عنها العزل مطلقاً، وهذا دليل على جواز اتفاق الزوجين في عدم الإنجاب مطلقاً، لأن الإذن في الشرع جعل لهما.
ولو كان محرماً لما جاز بإذن المخلوق، وكل ذلك بما سبق بيانه مما لم يترتب عليه محذوراً شرعياً.
ولأن المقصود من النكاح ليس الإنجاب فقط.
فهناك مقاصد أخرى كالعفة والمودة، وغيرهما.
وعلى هذا يجوز نكاح الوناسة: وهما من تزوجا وليس عندهما شهوة النكاح، وإنما من باب الاستئناس ببعضهما، وتبادل الأحاذيث الودية بينهما، وغالباً يفعله كبار السن الذي لاقوة لهما بدنية على الجماع. والله تعالى أعلم.
كتبه/ محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة/ جامعة أم القرى/ مكة المكرمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق