حكم تنازع اثنين فأكثر لمن له الصيد بعد اقتناصه:
حكم أكل اللحم المنتن نتناً كبيراً، والمنتن نتناً يسيراً:
حكم التسمية الواحدة على الصيد المتعدد:
----
روى البخاري ومسلم حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أرسلت كلبك المعلم فاذكر اسم الله، فإن أمسك عليك فأدركته حياً فاذبحه، وإن أدركته قد قتل ولم ياكل منه فكله، وإن وجدت مع كلبك كلباً غيره وقد قتل فلا تأكل، فإنك لا تدري أيهما قتله، وإن رميت سهمك فاذكر اسم الله، فإن غاب عنك يوماً فلم تجد فيه إلا أثر سهمك فكل إن شئت، وإن وجدته غريقاً في الماء فلا تأكل).
وروى البخاري عن عدي قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيد المعراض -عصا في طرفها حديدة-، فقال: (إذا أصبت بحده فكل، وإذا أصبت بعرضه فقتل فإنه وقيذ -ما قتل بثقله لا بحده- فلا تأكل).
وروى مسلم من حديث أبي ثعلبة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا رميت بسهمك، فغاب عنك فأدركته، فكله، ما لم ينتن).
١- يدل حديث عدي الأول: على أن من شروط أن يكون الصيد معلما: أن يسترسل إذا أرسله صاحبه (إذا أرسلت...) ومفهومه: إذا زجرته انزجر -وهو الشرط الثاني-، وكذا: إذا أمسك لم يأكل (وإن أدركته قد قتل ولم يأكل منه...). وهو الشرط الثالث حتى يكون الكلب معلماً.
٢- تعارض الأصل والظاهر في هذا الحديث.
والقاعدة: إذا تعارض الأصل والظاهر أيهما يقدم؟ يقدم الظاهر ما لم يعارض اليقين.
ووجهه: أن الأصل: إذا ولغ الكلب في الشيء أن يغسل سبع مرات، وفي حديث عدي وغيره: لم يبين ذلك عند إمساك الكلب للصيد، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز.
فإما أن يقال: إن الكلب لا يحرك لسانه ويخرج من ريقه شيء عند إمساك المصيد.
وأما أن نقول: هذه حالة مستثناه للضرورة الصيد الذي يرخص فيه، ما لا يرخص في غيره.
ويؤيده ظاهر الآحاديث التي ليس فيها الأمر بغسل المكان الذي يمسك، وهو الظاهر، فيقدم على الأصل.
٣- ظاهر الحديث: أن الكلب إذا قتل الصيد بأي نوع من أنواع القتل جاز -كالخنق-، وهذا الظاهر: معارض بالمعنى، وهو أن الصيد لا يحل حتى ينهر الدم منه، لحديث: (ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل) ولأن احتباس الدم في المأكول سبب لحصول الأمراض البدنية.
والقاعدة: إذا تعارض اللفظ والمعنى قدم المعنى إذا ظهر، وإن لم يظهر فاتباع اللفظ أولى.
والمعنى هنا ظاهر، وهو عدم احتباس الدم في المأمول، ويؤيده حديث عدي الثاني في المعراض: (وإذا أصبت بعرضه فقتل فإنه وقيذ فلا تأكل).
٣- لا يجوز الأكل من اللحم الذي له نتن كثير أو كبير، لتضرر البدن به (إن الله حرم بيع الميته...) لأنها مضرة بالبدن، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار).
وأما ما كان نتنه يسيراً، فلا يصل إلى درجة التحريم في أكله، لأنه لا يضر بالبدن، أو ضرره يسير متحمل، أو يكون بمنزلة التطعيم للجسم من ذلك الضرر.
وذكر اليوم في الحديث من باب التمثيل للمدة، وماخرج مخرج التمثيل لا مفهوم له، والمراد عدم النتن طالت المدة أم قصرت.
٤- إذا تنازع اثنان وقع سهماهما في صيد واحد، ففيه تفصيل:
أ- إن علم سهم القاتل منهما لكونه وقع في الفؤاد والآخر في القدم، فهو لسهم القاتل، كما في حديث معاذ بن عفراء، ومعاذ بن عمرو بن الجموح، فكان السلب -وهو ما مع المقتول من متاع- لمعاذ بن عمرو بن الجموح، لأن الضربة القاضية منه، مع اشتراكهما في قتله.
ب- أن يكون السهمان وقعا معاً في زمن واحد ومكان كلاهما في موقع مقتل، فهو حق لهما جميعاً يقتسمانه بينهما بالسوية.
ج- أن يجهل من السهم القاتل، أو الأول منهما إذا وقع كلا السهمين في مقتل من الصيد، وكلاهما قد ذكر اسم الله على السهم، فعندئذ تزاحمت الحقوق ولا مرجح.
والقاعدة: إذا تزاحمت الحقوق ولا مرجح، فالمرجع إلى القرعة، لحديث عائشة: (كان إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه).
تنبيه:
ذكر اسم الله تعالى يكون على آلة الصيد عند بدء الإرسال للكلب والسهم. بخلاف الذبيحة يكون ذكر اسم الله تعالى على الحيوان عند ذبحه أو نحره، ولو تغيرت الآلة.
* وإذا كان الرمي برصاص خارق فإن عند كل ضغطة على الصيد يذكر اسم الله تعالى، وإذا كانت الرصاصات تنطلق بضغطة واحدة يكفي تسمية واحدة على ما أصابت من الصيد وإن تعدد.
والله تعالى أعلم.
كتبه / محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق