————
إذا تيقن المأموم أو غلب على ظنه أن الركعة التي تابع فيها الإمام زائدة كأن تكون هي الخامسة، فهل يعتبرها ركعة له من عدد ركعات صلاته، وقع الخلاف في ذلك على قولين:
الأول: تعتبر للمسبوق ركعة، فيعتد بها في صلاته، وهذا في نظري أقرب، وهو اختيار ابن قدامة رحمه الله تعالى في المغني.
وذلك للأسباب التالية:
١- أنه لا يشترط في المتابعة اتفاق النيتين، فصلاة المتنفل خلف المفترض جائزة وكذا العكس على الأصح، كما في حديث معاذ بن جبل لما كان يصلي العشاء مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم ينطلق إلى قومه يصلي بهم العشاء.
والزيادة للإمام يعتقدها صحيحة، وتصح منه نافلة.
ويدل على ذلك حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا شكَّ أحدُكم في صلاته فلم يدرِ كم صلَّى، ثلاثًا أم أربعًا، فليطرَحِ الشكَّ، وليبنِ على ما استيقن، ثم يسجد سجدتينِ قبل أن يُسلِّم، فإن كان صلى خمسًا شفعن صلاتَه، وإن كان صلى تمامًا كانتا ترغيمًا للشيطان))؛ رواه مسلم.
والشاهد: (شفعن)؛ أي: صيرت السجدتانِ هذه الصلاةَ الخماسية شفعًا؛ أي ستًّا؛ فيكون بمنزلة مَن أتم فرضه الرباعي، وتطوع بركعتين بعدها.
صلى تمامًا؛ أي: صلَّى بلا زيادة ولا نقص.
و(كانتا)؛ أي: السجدتان.
فإذا صحت من الإمام نافلة، صحت من المأموم المسبوق في صلاته فريضة.
وهذا فيه رد على من قال: بأن المأموم يعلم بأنها زائدة، فكيف يتابعه على زيادة يعلم بطلانها.
والجواب: كونه يعتقد بطلان صلاة الغير، لا يعني أنها باطلة في حقيقة الأمر في المسائل الخلافية -الغير متفق عليها- كمن يعلم بأن الإمام يصلي على غير طهارة، لكونه سمع منه الحدث المتفق على بطلان صلاته به، أما إذا صلى من يرى النقض بأكل لحوم الإبل خلف من لا يرى النقض به، فلا بأس.
فالمسائل الاجتهادية، المعتبر فيها باعتقاد المكلف الفاعل، لا باعتقاد غيره، إذا كان ذلك ناتج عن اجتهاد من المجتهد أو حسب قدرة المقلد للوصول إلى الحق من سؤال أهل الذكر ونحوه.
فالمسبوق يصلي خلف من يعتقد أن زيادته صحيحة، فتكون للإمام نافلة، والمأموم يعتد بها ركعة من عدد ركعات صلاته المفروضة.
٢- ولأن المتابعة للمأموم يتماشى مع صورة صلاته التي يصليها، فلم يزد في صلاته ما يحرم عليه فعله، بل لا زيادة في صلاته، واختلاف الاجتهاد في ما هو مشروع وما ليس بمشروع في الصلاة لا يبطل المتابعة.
٣- ولأن القاعدة: ما يتحمله الإمام عن المأموم، إذا بطلت صلاة الإمام بطلت صلاة المأموم، وما لا يتحمله الإمام عن المأموم إذا بطلت صلاة الإمام لم تبطل صلاة الماموم -وقد سبق تقرير هذه القاعدة بأدلتها في القواعد-.
وههنا لا تبطل صلاة الإمام لكونه يعتقدها صحيحة، ولا عبرة بظن غيره لنفسه، والمأموم يعتقد أنه لم يزد في صلاته لنفسه، ولا أثر في خطأ غيره وهو الإمام على صلاته، لأنه لم يزد في صلاته، بل أتم ركعاته المفروضة عليه، وذلك أن الإمام لا يتحمل عدد الركعات عن المأموم.
والمذهب: تصح الزيادة للمسبوق في صلاته إذا كان جاهلاً أو ناسياً، ولا تصح لمن كان عالماً ذاكراً، لأنه يعتقد بطلان زيادة إمامه.
والجواب: اعتقاد بطلان زيادة إمامه لا تستلزم بطلان صلاة المأموم مما يسوغ فيه الاجتهاد، فالإمام زاد للعذر من نسيان ونحوه، فلم تكن في حقه باطلة، بل نافلة -كما سبق-، والمأموم لم يزد في صلاته بل تابعه فيما بقي له من صلاته، ولم يزد في صلاته شيئاً.
والله تعالى أعلم.
كتبه/ د. محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق