حكم التلبية الجماعية للحجاج والمعتمرين :
———————————
التكبير في أيام العيد من الشعائر المشروعة باتفاق العلماء، وذلك لقوله تعالى: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).
ولكنهم اختلفوا في مشروعيته جماعة بصوت واحد، فذهب فريق إلى المنع لعدم ثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن الصحابة - رضي الله تعالى عنهم -.
والجواب : القاعدة : كل ما توفر سببه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفعله فتركه سنة ، ولكن هل فعله بدعة ؟
فيه تفصيل : ما دخل تحت دليل خاص أو عام يدل على مشروعيته ، فليس ببدعه، وما لم يدخل تحت أصل عام أو خاص من العبادات فهو ببدعة .
فالبدعة : هي كل ما أحدث في دين الله تعالى ما ليس منه - مما لم يدخل تحت أصل عام أو خاص يدل على مشروعيته -.
والتكبير مشروع في عيد الفطر :( ولتكملوا العدة ، ولتكبروا الله على ما هداكم).
وكذا مشروع في عيد الأضحى :( واذكروا الله في أيام معدودات )، وقال الصحابي في الحج :( منا الملبي ، ومنا المكبر ، ولا ينكر بعضنا على بعض).وغير ذلك من الأدلة .
وذهب الأكثرون إلى مشروعيته لعدم الدليل على منعه، بل نصوا على أنه الأفضل لكونه أقوى وأعلى صوتاً، وأوقع في النفس من أن يكبّر كل شخص وحده، وأحرى ألا يقع الاضطراب والتشويش بسبب اختلاف الأصوات.
وذلك للأسباب التالية :
1 - ما ثبت عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رضي الله عنها قَالَتْ: (كُنَّا نُؤْمَرُ أَنْ نَخْرُجَ يَوْمَ الْعِيدِ، حَتَّى نُخْرِجَ الْبِكْرَ مِنْ خِدْرِهَا، حَتَّى نُخْرِجَ الْحُيَّضَ فَيَكُنَّ خَلْفَ النَّاسِ، فَيُكَبِّرْنَ بِتَكْبِيرِهِمْ، وَيَدْعُونَ بِدُعَائِهِمْ، يَرْجُونَ بَرَكَةَ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَطُهْرَتَهُ) رواه البخاري.
فقالوا: يكبرن بتكبيرهم، أي: معا جميعا كما هو ظاهر النص.
2 - قال الإمام البخاري رحمه الله: "كان عمر رضي الله عنه يكبر في قبته بمنى فيسمعه أهل المسجد، فيكبرون، ويكبر أهل الأسواق، حتى ترتج منى تكبيراً. وكن النساء يكبرن خلف أبان بن عثمان، وعمر بن عبد العزيز ليالي التشريق مع الرجال في المسجد".
جاء في "فتح الباري": قوله "ترتج" أي: تضطرب وتتحرك، وهي مبالغة في اجتماع رفع الأصوات".
فالذي يظهر من النصين أن التكبير كان جماعياً بصوت واحد.
3 - قال الإمام الشافعي رحمه الله في "الأم": "إذا رأوا هلال شوال أحببت أن يكبر الناس جماعة وفرادى في المسجد والأسواق والطرق والمنازل، ومسافرين ومقيمين، في كل حال، وأين كانوا، وأن يظهروا التكبير".
4 - ولأن التكبير في العيدين من شعائر المسلمين الظاهر
( ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب ).
والتكبير الجماعي فيه إظهار أكثر لتلك الشعيرة ( فترتج منى بالتكبير ).
والقاعدة : الحكم إذا علق على وصف قوي بمقدار ذلك الوصف فيه).
وعلى هذا يتبين أن التكبير جماعة مشروع في ظاهر الأحاديث، وليس هناك دليل صحيح صريح يمنع منه، وعلى فرض عدم وروده فليس هناك ما يمنع منه، حيث إنه داخل تحت النصوص الخاصة : في عدم التفريق بين التكبير الإنفرادي والتكبير الجماعي ، فمطلق النصوص تتناولهما، وكذا دخول الجماعي في عموم النصوص الدالة على مشروعية التكبير .
ومن ادّعى أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يكبرون فرادى
فقط دعوى تحتاج إلى دليل .
والقاعدة : عدم النقل ليس نقلاً للعدم ، والله تعالى أعلم.
محمد بن سعد المهلهل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة ، من يوم عرفة لعام 1444 للهجرة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق