المحاضرة الحادية عشرة في فقه المعاملات المالية المعاصرة.
___
الكفالة
• تعريفها في لغة العرب: من كفل أي ألتزم.
وفي الاصطلاح: التزام رشيد إحضار من عليه حق مالي لربه.
• معاني التعريف:
التزام: خرج بذلك العقود الجائزة، مثل الوكالة، فالكفالة من العقود اللازمة وليست من الجائزة وهذا بالنسبة للحكم الوضعي وليس التكليفي.
رشيد: أي جائز التصرف، وهو البالغ العاقل الحر الذي يحسن التصرف.
إحضار: خرج بذلك الضمان لأن محله المال، بينما الكفالة محلها البدن.
حق مالي: سواء كان عينا أو دينا.
لربه: أي صاحب الحق.
———-
• حكم الكفالة:
الكفالة جائزة في قول عامة أهل العلم، والدليل قوله تعالى: (قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ).
* والقاعدة: "شرع من قبلنا إذا ثبت في شرعنا أنه شرع لمن كان قبلنا ولم ينسخه شرعنا فهو شرع لنا".
وقال تعالى: (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ).
وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم: (الزعيم غارم)، وهذا دليل من السنة على مشروعية الكفالة.
• المقصود من عقد الكفالة:
التزام بدني بإحضار من عليه الحق إلى صاحب الحق إذا طالبه به، ولكن إذا لم يوفِ بهذه الكفالة فإنه يغرم ما عليه الا إذا اشترط الكفيل وقال: إذا لم استطع احضاره فلا أضمن عنه شيئاً مالياً.
————
1. أركان الكفالة:
1. الكفيل: وهو من يلتزم بإحضار من عليه الحق.
2. المكفول: يسمى الأصيل وهو من عليه حق.
3. المكفول له: وهو صاحب الحق.
وهذه الأركان الثلاثة يشترط لها في الجملة ما يشترط في الضمان.
4. الصيغة: وهي كل لفظ يدل على الكفالة، والعبرة في العقود بالمعاني لا بالألفاظ والمباني.
*إذا القاعدة: "أن العبرة في العقود بالمعاني لا بالألفاظ والمباني".
وكل ما يدل على عقد الكفالة فهو كفالة.
——————-
- تنعقد الكفالة بما ينعقد به الضمان من الألفاظ بشرط أن تضاف هذه الألفاظ إلى بدنه أو إلى إحضاره، مثل أن يقول: أنا ضامن لبدنه، أو أنا كفيل بإحضاره، وقد تتقيد بالعرف لأن القاعدة: "العادة محكمه".
والقاعدة الثانية: "كل مالم يحدد في الشرع فالمرجع في تحديده إلى العرف".
——————-
انتهاء الكفالة:
1. تسليم المكفول إلى صاحب الحق.
2. أن يسلم المكفول نفسه: إذا سلم الأصيل نفسه لصاحب الحق تبرأ ذمة الكفيل.
3. موت المكفول به: إذا مات المكفول برئ الكفيل لسقوط الحضور عنه بموته.
4. الإبراء: فمتى ابرأ صاحب الحق الكفيل من الكفالة انتهت وبرئت ذمته، ولا يبرأ المكفول به لأن الإبراء صدر للكفيل دون الأصيل، فإن صدر الإبراء للأصيل برئا جميعاً.
——————————————
الحوالة
تعريفها:
لغة: الانتقال.
في الاصطلاح: انتقال الدين من ذمة إلى ذمة أخرى.
مثال ذلك:
استدان محمد من بدر مبلغ 1000ريال على أن يسدد المبلغ بعد سنه، وبعد سنه جاء محمد إلى بدر وطلب منه أن يسدد له المبلغ فقال بدر: سأحيلك يا محمد على خالد فأنا لي عنده 1000ريال، إذن محمد سيأخذ المبلغ من خالد وهذا يسمى: (حوالة).
———
الفرق بين الحوالة والكفالة والضمان:
الحوالة نقل للدين من ذمة الى ذمة أخرى، والكفالة أو الضمان فهو ضم ذمة إلى ذمة في الالتزام بالحق، فهما متباينان،
لأن بالحوالة تبرأ ذمة المحيل وفي الكفالة لا تبرأ ذمة المكفول بمعنى: المكفول يستطيع أن يطالب الكفيل والمكفول له و في الضمان نفس الأمر.
————
الفرق بين الحوالة والإبراء:
الحوالة: نقل للحق من ذمة إلى ذمة، والإبراء: إسقاط للحق.
————
حكم الحوالة:
الحوالة مشروعة كما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَطْلُ الغَنِيِّ ظُلْمٌ، وَإذَا أُتبِعَ أحَدُكُمُ عَلى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ).
معنى الحديث:
- "مطل الغني": أي مماطل الغني القادر على السداد لمن يطلبه وهذا ظلم.
- "على مليء": قادر على السداد.
————————
أركان الحوالة:
أولاً: الصيغة: وهي ما دل على معنى الحوالة فهو حوالة؛ لأن القاعدة: "العبرة في العقود بالمعاني لا بالألفاظ والمباني".
ثانيا: المحيل: ويشترط أن يكون جائز التصرف، أي بالغ عاقل.
ثالثاً: المحتال أو المحال: يشترط أن يكون جائز التصرف.
رابعاً: المحال عليه: يشترط أن يكون جائز التصرف.
خامساً: المحال به: وهو الدين.
وله شروط:
• إمكانية المقاصة: أي أن يتفق في 1)الجنس: لأنه إذا اختلف فيه الجنس فسينتقل من كونه عقد إرفاق إلى عقد معاوضة -والحوالة عقد إرفاق وإحسان لا معاوضة-.
2) الحلول و التأجيل: فلا تصح الحوالة على مؤجل ونحوه إلا إذا كان ذلك برضى الطرفين.
3) المقدار: فلا يصح أن يحيل بسته على خمسه أو العكس، ويصح أن يحيل بخمسه على خمسة من العشرة.
4) العلم بكلا الدينين المحال به والحال عليه.
—————
مسألة: من الذي يشترط رضاه في عقد الحوالة؟
أولا: المحيل؛ لأن:
- المحيل مخير في جهات قضاء الدين، فلا تتعين عليه جهة قهراً.
- مديونية المحيل للمحال: من شروط الحوالة أن يكون المحيل مديناً للمحال.
ثانيا: الراجح:
أنه لا يشترط رضا المحيل لورود الأمر في الحديث: (فليتبع)، والأمر للوجوب في الأصل إلا إذا كان المحال عليه غير مليء.
ثالثا:
لا يشترط رضا المحال عليه لأن الحق للمحيل فله أن يستوفيه بغيره.
—————
مسألة: براءة المحيل بعد تمام الحوالة:
اتفق الفقهاء على أنه متى تمت الحوالة بشروطها فقد فرغت ذمة المحيل مما كان عليه لدائنه.
لكن لو عجز المحال عن الوصول إلى حقه من المحال عليه فالراجح هو:
1- إذا رضي المحال بالحوالة وكان قد اشترط على المحيل الملاءة والبذل أو شرط حق الرجوع للمحال عليه، فله حق الرجوع عملا بالحديث: (المسلمون على شروطهم).
2- إن كان يعلم بمماطلة المحال عليه ورضي فليس له الرجوع.
3- إن كان يجهل بالمحال عليه ولم يشترط الرجوع فله حالتان:
- في حال تعذر الاستيفاء فبان المحال عليه مماطلا أو مفلساً فله حق الرجوع، لأن الفلس والمماطلة عيب في الحوالة، وهو لا يعلمها.
- وإن كان المحال عليه مليئاً وقت الحوالة ثم أفلس أو مات، فالأظهر أنه ليس للمحال حق الرجوع، كما لو اشترى سلعه وتعيبت عنده.
والله تعالى أعلم.
أستاذ المادة : د. محمد سعد الهليل العصيمي.
كتابة الطالبة : حنان سعد الزهراني.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق