شروط القطع في السرقة:
————
الطر: هو القطع، والطرار: هو الذي يبط ويقطع الجيب أو غيره، ويأخذ منه المال بعد سقوطه على الأرض.
وذلك بأن يكون معه موس أو مبراة ويشق الجيب في أثناء الزحام كما في الحج مثلاً ثم ينتظر سقوط الدراهم ثم يأخذها، فإذا رفع أمره إلى الحاكم الشرعي، هل يحكم عليه بقطع يده؟
—————
١- قال تعالى: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيدهما).
٢- وقال صلى الله عليه وسلم: (لا قطع إلا في ربع دينار فصاعداً) وربع الدينار يساوي واحد غرام وربع الربع، وذلك بأن نعرف قيمة أربع غرامات وربع، ثم نقسمها على أربعة، والناتج هو الذي تقطع به اليد لبلوغه النصاب.
٣- وقال صلى الله عليه وسلم: (لا قطع على خائن ولا منتهب ولا مختلس).
والمنتهب الذي يأخذ المال مجاهرة اعتماداً على القوة، فهو مجاهر في أول أمر السرقة وفي آخرها.
والمختلس: هو الذي يأخذ المال خطفاً معتمداً على سرعة هروبه.
فهو يأخذ المال خفية في أول الأمر، جهراً في آخر السرقة.
والخائن: هو الذي يغدر بك في موضع الائتمان، مثل العارية والوديعة إذا أخذها ثم جحدها.
٤- وروى البخاري ومسلم عن عائشة وضي الله عنها: أن قريشاً أهمتهم المرأة المخزومية التي سرقت، فقالوا: من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن يجتريء عليه إلا أسامة حب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (أتشفع في حد من حدود الله؟)، ثم قام فخطب فقال: (أيها الناس إنما ضل من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق الضعيف فيهم أقاموا عليه الحد).
حيث اختلف على الزهري، فقال الليث ويونس وإسماعيل بن أمية وإسحاق بن راشد: (سرقت) وقال معمر وشعيب: (إنها استعارت وجحدت).
ورواية (سرقت) أرجح من رواية (استعارت وجحدت)، لأن رواة (سرقت) أكثر، وهي في الصحيحين، بخلاف لفظة (استعارت وجحدت) فهي عند مسلم فقط، وهذا من حيث السند، وكذا من حيث المتن، فلفظ سرقت يؤيده آخر الحديث (لو أن فاطمة سرقت)، ولأن لفظ (استعارت وجحدت) يعارضه حديث (لا قطع على مختلس ولا خائن) وهو حديث قوي. وبهذا يحكم على رواية (استعارت فجحدت) بالشذوذ لأن الوقعة واحدة، ورواة اللفظ الآخر أكثر، والقطع في السرقة متفق عليه، بخلاف القطع في جحد العارية مختلف فيه.
٥- في الصحيح: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم).
وهو لا يعارض حديث عائشة: (لا قطع إلا في ربع دينار فصاعداً).
لأن القاعدة: أحد أفراد العام لا يخصص به إذا كان موافقاً له في الحكم.
والقاعدة: قضايا الأعيان لا عموم لها.
وربع الدينار في عصر النبوة يساوي ثلاثة دراهم، فيكون القطع لكونه بلغ قيمة النصاب وهو ربع دينار.
٦- وفي الصحيحين: (لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده).
والبيضة: ما يلبس في الحرب وقاية للرأس.
والحبل: حبل السفينة.
وعلى فرض المراد به البيضة والحبل المعروفان: أي يتدرج به الأمر حتى يسرق ما يبلغ النصاب وتقطع يده، وذلك جمعاً بين النصوص.
٧- أخرج الإمام أحمد والنسائي من حديث صفوان بن أمية في قصة الرجل الذي سرق رداءه، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يده، فقال صفوان: هو له يا رسول الله -أي وهبته له-، فقال: (فهلا قبل أن تأتيني به). فدل على أنه إذا لم يطالب المسروق فلا قطع، وكذا لو اشترى السارق الشيء المسروق من مالكه قبل مطالبته عند الحاكم فلا قطع، لأن بيعه إياه قبل رفعه للحاكم الشرعي دليل على إسقاط حق المطالبة به، فلا رجوع له على المطالبة به.
٨- وروى أبو داود والنسائي حديث: (ومن سرق شيئا منه بعد أن يؤويه الجرين، فبلغ ثمن المجن فعليه القطع..).
والحديث على فرض صحته، فهو لا يعارض تحديد النصاب بربع دينار، لأن قيمة المجن آنذاك ربع دينار.
* ولقطع اليد في السرقة ثمانية شروط:
١- أن يكون الآخذ -السارق- مسلم أو ذمي.
٢- أن لا يكون للسارق في المال المسروق شبهة: وهي كل ما يمكن أن يكون عذراً مستساغاً شرعاً.
٣- وأن يكون على وجه الاختفاء حتى تنتهي السرقة.
٤- وأن يكون المسروق مالاً له قيمة في العرف.
٥- وأن يبلغ النصاب.
٦- وأن يكون في حرز مثله، سواء كان ذلك الحرز بالملاحظ أو بالمكان الذي فيه المال، وما لم يحدد في الشرع فالمرجع في تحديده إلى العرف.
٧- وأن يكون المال المسروق من معصوم -مسلم أو ذمي -أو معاهد- أو مستأمن-.
٨- وأن يرفع المسروق أمر السرقة إلى الحاكم الشرعي.
والقاعدة: الشيء لا يتم إلا بوجود شروطه وانتفاء موانعه.
وبناء على ما سبق اختلف في قطع يد الطرار على قولين، فمن ألحقه بالسارق أوجب قطع يده، ومن ألحقه بالمختلس، قال: بعدم قطع يده.
والقاعدة: الفرع المتردد بين أصلين يلحق بأكثرهما شبهاً.
والذي يترجح في نظري والعلم عند الله تعالى: أن في ذلك تفصيلاً: فإذا كان الطرار أخذ المال على وجه الخفية حتى انتهت السرقة، فهذا يلحق بالسارق.
وإذا أخذه على وجه الخفية في أول السرقة ثم سقط المال وانكشف أمره، وأخذ المال وهرب به، أشبه المختلس الذي جمع بين الخفية في أول السرقة وجهر به في نهايتها، والمختلس لا تقطع يده؛ (لا قطع على مختلس..)، فكذا الطرار في هذه الحال الذي اختفى في القطع والطر للثوب في أول السرقة، ولما سقط المال أخذه جهراً وهرب به، فجمع بين الاختفاء والجهر في أخذه للمال، فلا قطع ليده والحالة تلك.
والله تعالى أعلم.
كتبه/ د. محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة /جامعة أم القرى / مكة المكرمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق