إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأرشيف

نبذه قصيرة عني

الشيخ د.محمد بن سعد هليل العصيمي-حفظه الله

الأستاذ المشارك بجامعة أم القرى - بمكة المكرمة - بقسم الشريعة والدراسات الإسلامية

آخر المـسـائـل

اخر المواضيع

اخر المواضيع

المشاركات الشائعة

الأحد، 8 أغسطس 2021

حكم نفقة دواء الزوجة // لفضيلة الشيخ د. محمد بن سعد الهليل العصيمي -حفظه الله-.


حكم نفقة دواء الزوجة:

———-

الخلاصة: لا تجب نفقة دواء الزوجة على الزوج.

————————

١- قال تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا}.

والنفقة تكون في المطعم والمشرب والكسوة والسكن، وهل يلحق بذلك الدواء، الأقرب: أنه لا يلحق به، وليس الدواء من النفقة والرزق للزوجة.

والمعاشرة بالمعروف منها ما هو الواجب ومنها ما هو دون ذلك.


فإن قيل: إنه  مما تستلزمه استقامة حال الزوجة لمصلحة الزوج.


فالجواب: أن الأصل هو استقامة حال الزوجة، واعتلال المرأة خلاف الأصل، ولم يكن بسبب منه حتى يكون عليه ضمانه، وتحميله ما تتداوى به يحتاج إلى دليل.

ولا عبرة باعتلال الزوجة في وجوب النفقة من أجل التمكن من الاستمتاع بها، لأن العبرة بالأصل، لا بالفرع مع وجود الأصل، والأصل هو السلامة، والفرع هو الاعتلال.

ولهذا يحجب الأعلى الأدنى في الميراث، ولا يرث الفرع مع وجود الأصل.


فإن قيل: أن كلاً من الغذاء والدواء من الضروريات التي لا يقوم الحال إلا به.


فالجواب: فرق بين قيام الحال في حال الصحة، لتمكن الزوج من الاستمتاع، وبين  حال لا يتمكن فيها من الاستمتاع من الزوجة لوجود المرض، كما هو الفرق بين الإيجاد والإسقاط.

فالنكاح فيه نوع من المعاوضة: نفقة في مقابل تمكن من استمتاع، بدليل سقوط نفقة الناشز.


وعند مرض الزوجة اشبهت العين التي تعطلت منفعتها من غير سبب منه فلم يجب عليه اصلاحها.


وليس الدواء من الضروريات، وذلك لأن العلاج ليس بضروري؛ فتركه أفضل على المعتمد عند الحنابلة. 


بخلاف الطعام والشراب فهو من الضروريات التي لا تقوم النفوس بدونه.


وأما العلاج فيمكن الإستغناء به بالدعاء أو بنوع الطعام أو بقوة البدن (المناعة) أو...


ولذا كان من مات بسبب تركه للطعام قاتلاً لنفسه بخلافه في باب العلاج.


هذا تقرير للمذهب عند الحنابلة.

وبهذا يظهر عدم صلاحية الدليل المذكور للوجوب. 


فإن قيل: إن  حاجتها للدواء أعظم من حاجتها للكسوة وكثير من الطعام الواجب عليه نفقته عليها ولم يصل إلى حد الضرورة.


فالجواب: أن العبرة ليست بحاجتها في النفقة، وإنما العبرة بحاجته هو -الزوج-

فوجبت النفقة على الزوج لتمكنه من الاستمتاع بها، الذي كان لحاجته لا لحاجتها.


فإن قيل: وجوب النفقة عليه هي لحفظ صحتها، والدواء من جملة ما يحفظ به صحتها.


فالجواب: أن النفقة عليها لمصلحة الزوج، لا لمصلحة الزوجة.

والعبرة بالمباشرة في المصلحة التي لا واسطة فيها، لأن وجود الأصل يسقط الفرع، حتى لا يقال: تعود المصلحة بعد الفرع للأصل.

والقاعدة: فرق بين ما لا يتم الواجب إلا به، فهو واجب، وبين ما لا يتم الوجوب إلا به، فليس بواجب.

كجمع المال ليتم تزكيته، وذلك للفرق بين الحكم التكليفي، والحكم الوضعي.

فإذا تمكن الزوج من الاستمتاع وجد حكم التكليفي.

وإذا لم يتمكن، فانتظار كون الزوجة حتى تكون صالحة لذلك من الحكم الوضعي.

كانتظار جمع المال حتى يبلغ النصاب.


ولا يشكل على ذلك الحيض، لكونه فترة يسيرة عرفاً، ولتمكنه من الاستمتاع بها في غير الموضع المحرم حال الحيض.


٢- قال تعالى: (وعاشروهن بالمعروف)

والمعاشرة بالمعروف تقتضي عدم معالجتها عند مرضها.


والجواب: أن المعاشرة منها ما هو متعين كالكسوة والمسكن والطعام، ومنها ما هو دون ذلك.


٣-  قال تعالى: ( وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُواْ إِصْلاَحاً، وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ، وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ). 

قال ابن كثير: أي: ولهن على الرجال من الحق مثل ما للرجال عليهن، فليؤد كل واحد منهما إلى الآخر ما يجب عليه بالمعروف.


والقاعدة: ما لم يحدد في الشرع، فالمرجع إلى تحديده، العرف -كما سبق تقريرها في القواعد-.

والجواب كما سبق.


٤- ورى البخاري، من حديث سهل، وفيه: (ملكتكها بما معك من القرآن) وتمليك الشيء يقتضي حفظه بالنفقة والدواء.


ويمكن أن يجاب عنه بأنه ورد بلفظ: (زوجتكها بما معك من القران) فيكون التمليك ههنا بمعنى التزويج، والاشتراك في الاسم لا يعني الاشتراك في الحكم.


٥- قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى).

ووجه ذلك: أن دواء الزوجة من الزوج إحسان، فيكون واجباً عليه.


 والجواب: أن الإحسان منه ما هو واجب، ومنه المستحب، فلا يجب منه إلا ما دل الدليل على وجوبه.


٦- قال تعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً).

والجواب: أن الإحسان ما هو واجب، ومنه ما هو مستحب.


٧- قال صلى الله عليه وسلم: "اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف" رواه مسلم.

ووجهه: أن الاستحلال لا يقتضي وجوب الدواء على الزوج للزوجة، بخلاف التمليك للشيء، فإنه يقتضي ذلك.


ولأنه نص في هذا الحديث على الرزق والكسوة ولم ينص على العلاج، فدل على عدم وجوبه على الزوج.


ولهذا ذهب جمهور العلماء -ومنهم الأئمة الأربعة- إلى عدم وجوب الدواء على الزوج للزوجة.


وذهب الحنابلة في قول، وهو قول لبعض المالكية إلى وجوب نفقة دواء الزوجة على الزوج -لما سبق-.


والذي يترجح في نظري: إلى أن الأصل هو عدم وجوب دواء الزوجة على الزوج، لأن النفقة عليها في مقابلة الانتفاع بالعضو وحل الاستمتاع بها بكلمة الزواج، فأشبهت العين المستأجرة التي لا يجب اصلاح ما تعطل من تلك العين من غير تعد منه ولا تفريط، والزواج استباحة لما حل بالزواج وكان محرماً قبله، وليس تمليكاً للعين المتزوج بها، اللهم إلا كان العرف يقتضي قيام الزوج بدوائها، فيكون داخلاً تحت المعاشرة بالمعروف.

ويشكل عليه: أن المعاشرة بالمعروف منها ما هو واجب، ومنها ما هو مستحب، فيتعين الواجب بالأدلة، وما زاد فهو على سبيل الاستحباب، فيكون دواؤها على الزوج استحباباً لا وجوباً.


* فإن قيل: أليس من مقاصد الشريعة حفظ النفس، فكيف لا يجب علاج الزوجة على الزوج!.

* فالجواب: أن حفظ النفس من الهلكة يتعين على كل من لا يكون إنقاذه إلا به، سواء كان قريباً أو بعيداً -وقد تم تقريره في قاعدة: الترك يعتبر فعلاً-.

* ومسألة: حكم ترك إنقاذ المصاب في حوادث السيارات وغيرها.


ومسألتنا هي تعين الدواء على الزوج ابتداء، سواء كانت الزوجة لها مال أم لا مال لها، وقد يكون الدواء ديناً فيتعين سداده على الزوج أم لا، ونحو ذلك مما لا يترتب عليه هلكة ولم يتعين عليه فيه إنقاذ.


* فإن قيل: قد يصبر الإنسان على الجوع والعطش، لكنه لا يصبر في الغالب على المرض.

فالجواب: أن الحكم في تعين النفقة على الزوجة غير معلل بصبر الزوجة من عدمه، بل هو معلل بالنفقة حسب العرف.

ومذاهب الأئمة الأربعة لا يعتبرون الدواء من النفقة.

وكون العرف يقتضي المعاشرة بالمعروف لا يعني وجوب كل معروف، فالمعروف منه الواجب ومنه المستحب كما سبق.


* فإن قيل: حديث: (خذي ما يكفيك أنت وولدك بالمعروف)، وهل ينظر الناس إلى من ترك علاج زوجته إلى أنه عديم المروءة، فإن لم يكن علاجها معروفا فما المعروف!

* وحديث: (كلكم راع ومسئول عن رعيته)، ألا تتضمن رعايتها العلاج؟ 

 

* قال ابن حزم رحمه الله:  "ومما كتبه الله علينا أيضا استنقاذ كل متورط من الموت...أو حية أو سبع أو سيل أو هدم أو حيوان أو من علة صعبة نقدر على معانته منها أو من أي وجه كان" (المحلى 11\219).  

 

* فإن لم يفعل الزوج هذا، فمن؟  أيتركها تخرج تسأل الناس وتتوسلهم ليعالجوها، أم يحبسها ويمنعها الخروج العلاج وهي لاتخرج إلا بإذنه.

 

والجواب: 

أ- أن إنقاذ الإنسان من الهلكة متعين، يستوي في ذلك الزوج وغيره، كما سبق ولا إشكال.

ب- من كان لها مال ورفضت علاج نفسها وشراء دوائها لكونه فرضاً على الزوج، لم يتعين على الزوج ولا يعتبر مخالفاً عند رفضه المروءة ولا المعاشرة بالمعروف.


ج- أن من خالف  المذاهب الأربعة في لزوم الزوج بالدواء إنما كان ذلك فيما إذا لم تكن الزوجة غير قادرة على ثمن الدواء.


د- أن هناك فرق بين حاجة المرأة الضرورية المعتادة فتجب على الزوج، وبين حاجتها الضرورية غير المعتادة فلا تجب عليه.


و- المسؤولية  تكون واجبة في الواجب ومازاد فهو تطوع. وكذا المعروف منه الواجب والتطوع، فلا يجب إلا ما دل الدليل على وجوبه، لأن الأصل براءة الذمة.

وكون الزوجة  لم تصل إلى حد الهلكة، ولها ما تتمكن فيه من الدواء من غير مال الزوج لم يتعين على الزوج فيه تحمل ثمن الدواء، كسائر احتياجاتها الخارجة عن نطاق النفقة.


ي- ليس كل من خالف المروءة وقع في الحرام، فالأكل في قارعة الطريق، مخالف المروءة وليس بحرام، والمشي في الطرقات بغير عمامة مخالف المروءة في بعض المجتمعات وليس بحرام، وهكذا.

والله تعالى أعلم.


كتبه/ د. محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شحن السلع مجاني

الشراء عبر الإنترنت - وطرق شحن معتمدة

حجز السلع عبر الإنترنت