حكم تغيير وجه الإنسان أو صورته ببرنامج السناب شات:
--------------
نتحدث عن هذه المسالة من خلال النقاط التالية التي يتبين حكم هذه المسألة من خلال عرضها:
١- العبرة بالصورة: الرأس، لحديث: (الصورة الرأس)، ويؤيده حديث: (أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار، أو صورته صورة حمار). فاعتبر الوجه صورة.
خلافاً للحنابلة الذين يرون أن ما لا تبقى معه حياة روح لا يعتبر صورة.
فالوجه عندهم بلا جسد لا تبقى معه الحياة فلا يعتبرونه محرماً.
وفيه نظر لما سبق من الأدلة.
٢- إذا قيل: إن هذا العمل لا يجوز، لما فيه من عمل الإنسان بالتصوير الزائد عن التصوير الفوتوغرافي، وهو عمل عن طريق برنامج لا يتحدد إلا بطريق عمل من عامل.
وفِي الحديث القدسي: (ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي) ففيه علة التحريم في التصوير، وهي المضاهاة.
وإدخال صورة محبوسة الظل -التصوير الفوتوغرافي- في البرنامج المحول لهيئة وشكل آخر، هو زيادة عمل، فتكون المشابهة لخلق الله تعالى في ذلك العمل الزائد عن خلقة الله تعالى للإنسان المحبوس ظله بالوسائط. وهذا محرم ولا يجوز، لوجود العلة وهي المضاهاة.
والجواب: أن هذا التغيير ليس لأصل الخلقة التي خلق الله تعالى، وإنما هو تغيير لمن حبس ظله، وهذا التغيير مما يجوز للإنسان في خلقته فمن باب أولى جوازه في صورته.
كتغيير لون الشعر، وتجعيد الوجه.
فالمضاهاة المحرمة إيجاد ما فيه روح لا تغيير الشيء بعد وجوده.
إذ معنى التصوير لغةً وشرعًا: هو إيجاد الصورة وصنعها بعد أن لم تكن، فلم يكن ذلك التغيير تصويرًا أصلاً، وليس فيه معنى التصوير والمضاهاة لخلق الله تعالى. وإنما هو تغيير للشيء المحبوس ظله بعد وجوده.
فإن قيل: ليس كل تغيير في وجه الإنسان بعد خلق الله تعالى له يجوز، فما كان من باب إزالة العيب جاز، وما كان من باب التحسين والتجميل لا يجوز، لحديث ابن عباس: (لعن الواشمة والمستوشمة، والواصلة والمستوصلة، والناشرة والمستنشرة، والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله تعالى).
فالجواب:
أ- ان التغيير في الصورة ليس كالتغيير في الحقيقة، والقاعدة: لا يلحق الأدنى بالأعلى إلا إذا تحقق معنى الأعلى في الأدنى.
ب- فرق بين التصوير والتغيير، فالتغيير في الصورة لا يعتبر تصويراً، والتغيير في الصورة ليس كالتغيير في الحقيقة، وليس كل تغيير محرم.
٤- فإن قيل: إن التصوير المحرم، هو المجسم كالتماثيل، لا ما لا جسم له، لحديث أبي طلحة رضي الله عنه الذي يرويه البخاري ومسلم من حديث بُسر بن سعيد، عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه أنه حدَّثه بُسر بن عُبيد الله الخولاني الذي كان في حِجْرِ ميمونة رضي الله عنها أن أبا طلحة حدَّثه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة» قال: فمرض زيد فعُدناه، فإذا نحن في بيته بسِتر فيه تصاوير فقلت لعبيد الله الخولاني: ألم يحدِّثنا في التصوير فقال : إلا رَقْمًا في ثوب، ألا سمعته، قلت: لا، قال: بل قد ذكره.
فالجواب: (إلا رقماً في ثوب) معناه: لا يمنع من دخول الملائكة، ولا يعني جواز تصويره، لحديث عائشة لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم في نمرقة لها -ستارة- تصاوير، فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، رأت في وجهه الكراهة، قالت: يا رسول الله، ما صنعت؟ أتوب إلى الله تعالى، فقال: (ياعائشة إن الذين يصنعون هذه الصور، يقال لهم يوم القيامة أحيوا ما خلقتم).
٥- فإن قيل: في هذا الفعل ادعى علم الغيب، وأن الإنسان بعد عمر كذا يكون شكله هكذا. وعلم الغيب لا يعلمه إلا الله تعالى.
والجواب: أن من اعتقد ان هناك من يعلم علم المستقبل غير الله تعالى، فقد خرج من الملة، قال تعالى: (قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله).
ولكن هذا إما أن يكون من باب التوقع، وإما بناء على سبب، وبناء الأشياء على أسبابها الحسية والشرعية يجوز، فمن كان شكله كذا بناء على شكله يكون بعد عمر كذا متغيراً حسب المعتاد في تغير الإنسان من حال الصغر إلى الكبر بشكل كذا إن عاش إليه. ومعرفة الشيء بناء على سبب ظاهر، ليس كبناء الشيء على أمر غير ظاهر.
٦- فإن قيل: أليس الأصل في تغيير خلق الله تعالى الحرمة.
فالجواب: ذهب جمع من الفقهاء إلى أن الأصل في تغيير خلق الله تعالى المنع. فلا يجوز تغيير خلق الله تعالى في الإنسان إلا ما دلّ الدليل على جوازه. -وقد نص هؤلاء على أن العلة في المنع: تغيير خلق الله- وذلك للأدلة التالية:
١- حديث علقمة عن ابن مسعود: «لَعَنَ اللَّهُ الوَاشِمَاتِ وَالمُوتَشِمَاتِ، وَالمُتَنَمِّصَاتِ وَالمُتَفَلِّجَاتِ، لِلْحُسْنِ المُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ» فَبَلَغَ ذَلِكَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي أَسَدٍ يُقَالُ لَهَا أُمُّ يَعْقُوبَ، فَجَاءَتْ فَقَالَتْ: إِنَّهُ بَلَغَنِي عَنْكَ أَنَّكَ لَعَنْتَ كَيْتَ وَكَيْتَ، فَقَالَ: وَمَا لِي أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَنْ هُوَ فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَقَالَتْ: لَقَدْ قَرَأْتُ مَا بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ، فَمَا وَجَدْتُ فِيهِ مَا تَقُولُ، قَالَ: لَئِنْ كُنْتِ قَرَأْتِيهِ لَقَدْ وَجَدْتِيهِ، أَمَا قَرَأْتِ: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} ؟ قَالَتْ: بَلَى، قَالَ: فَإِنَّهُ قَدْ نَهَى عَنْهُ، قَالَتْ: فَإِنِّي أَرَى أَهْلَكَ يَفْعَلُونَهُ، قَالَ: فَاذْهَبِي فَانْظُرِي، فَذَهَبَتْ فَنَظَرَتْ، فَلَمْ تَرَ مِنْ حَاجَتِهَا شَيْئًا، فَقَالَ: لَوْ كَانَتْ كَذَلِكَ مَا جَامَعْتُهَا. متفق عليه.
فالجواب عنه: أنه من كلام ابن مسعود رضي الله عنه، اجتهاداً منه؛ لأنه ليس في رواية الحديث ما يدل صراحة على رفع جميع ألفاظ الحديث إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، بل المتيقن رفعه هو اللعن فحسب. ويؤيد ذلك أن الثابت عن النبي، صلى الله عليه وسلم، عن غير صحابي هو اللعن أو النهي مجرداً دون التعليل بالتغيير أو غيره، بل حتى في بعض روايات الحديث التي صرح فيها ابن مسعود برفع الحديث إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، لم يذكر فيها التعليل بالتغيير، كما في رواية أحمد بسند حسنه ابن حجر وقال الأرناؤوط: إسناده قوي، عن مسروق: أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إِلَى ابْنِ مَسْعُودٍ، فَقَالَتْ: أُنْبِئْتُ أَنَّكَ تَنْهَى عَنِ الْوَاصِلَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَتْ: أَشَيْءٌ تَجِدُهُ فِي كِتَابِ اللهِ، أَمْ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟فقَالَ: أَجِدُهُ فِي كِتَابِ اللهِ، وَعَنْ رَسُولِ اللهِ، فَقَالَتْ: وَاللهِ لَقَدْ تَصَفَّحْتُ مَا بَيْنَ دَفَّتَيِ الْمُصْحَفِ، فَمَا وَجَدْتُ فِيهِ الَّذِي تَقُولُ قَالَ: فَهَلْ وَجَدْتِ فِيهِ: {مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} ، قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " نَهَى عَنْ النَّامِصَةِ وَالْوَاشِرَةِ وَالْوَاصِلَةِ وَالْوَاشِمَةِ إِلَّا مِنْ دَاءٍ "، قَالَتِ الْمَرْأَةُ: فَلَعَلَّهُ فِي بَعْضِ نِسَائِكَ؟ قَالَ لَهَا: ادْخُلِي، فَدَخَلَتْ ثُمَّ خَرَجَتْ، فَقَالَتْ: مَا رَأَيْتُ بَأْسًا، قَالَ: مَا حَفِظْتُ إِذًا وَصِيَّةَ الْعَبْدِ الصَّالِحِ: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ}. ومن فوائد هذه الرواية أنها وردت بلفظ النهي وهو أخف من اللعن الوارد في رواية علقمة، كما أنه لا يشتمل على ذكر علة تغيير خلق الله تعالى كما في رواية علقمة، ثم فيه التصريح بالجزء المرفوع من الرواية الأخرى وهو لا يشتمل على ذكر التغيير.
وقول الصحابي ليس بحجة على القول الراجح -كما سبق-.
وعلى فرض أن لفظ: (المغيرات خلق الله) مرفوع.
فالجواب : أن الصفة يحتمل أنها كاشفة -تفسير الشيء بما هو عليه- ويحتمل أنها مقيدة، والأصل كونها مقيدة، وهنا حملت على كونها كاشفة جمعاً بين الأدلة، فيقتصر اللعن على ما ورد في النص ولا يشمل كل ما فيه تغيير لخلق الله تعالى.
قال الشيخ الطاهر بن عاشور رحمه الله تعالى في تفسيره بعد أن ذكر شيئا من أصناف التغيير المحرم: "وَلَيْسَ مِنْ تَغْيِيرِ خَلْقِ اللَّهِ التَّصَرُّفُ فِي الْمَخْلُوقَاتِ بِمَا أَذِنَ اللَّهُ فِيهِ وَلَا مَا يَدْخُلُ فِي مَعْنَى الْحُسْنِ فَإِنَّ الْخِتَانَ مِنْ تَغْيِيرِ خَلْقِ اللَّهِ وَلَكِنَّهُ لِفَوَائِدَ صِحِّيَّةٍ، وَكَذَلِكَ حَلْقُ الشَّعْرِ لِفَائِدَةِ، دَفْعِ بَعْضِ الْأَضْرَارِ، وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ لِفَائِدَةِ تَيْسِيرِ الْعَمَلِ بِالْأَيْدِي، وَكَذَلِكَ ثَقْبُ الْآذَانِ لِلنِّسَاءِ لِوَضْعِ الْأَقْرَاطِ وَالتَّزَيُّنِ، وَأَمَّا مَا وَرَدَ فِي السُّنَّةِ مِنْ لَعْنِ الْوَاصِلَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ فَمِمَّا أَشْكَلَ تَأْوِيلُهُ. وَأَحْسَبُ تَأْوِيلَهُ أَنَّ الْغَرَضَ مِنْهُ النَّهْيُ عَنْ سِمَاتٍ كَانَتْ تُعَدُّ مِنْ سِمَاتِ الْعَوَاهِرِ فِي ذَلِكَ الْعَهْدِ، أَوْ مِنْ سِمَاتِ الْمُشْرِكَاتِ، وَإِلَّا فَلَوْ فَرَضْنَا هَذِهِ مَنْهِيًّا عَنْهَا لَمَا بَلَغَ النَّهْيُ إِلَى حَدِّ لَعْنِ فَاعِلَاتِ ذَلِكَ. وَمِلَاكُ الْأَمْرِ أَنَّ تَغْيِيرَخَلْقِ اللَّهِ إنّما يكون إِنَّمَا إِذَا كَانَ فِيهِ حَظٌّ مِنْ طَاعَةِ الشَّيْطَانِ، بِأَنْ يُجْعَلَ عَلَامَةً لِنِحْلَةٍ شَيْطَانِيَّةٍ، كَمَا هُوَ سِيَاقُ الْآيَةِ وَاتِّصَالُ الْحَدِيثِ بِهَا. وَقَدْ أَوْضَحْنَا ذَلِكَ فِي كِتَابِي الْمُسَمَّى: النَّظَرُ الْفَسِيحُ عَلَى مُشْكِلِ الْجَامِعِ الصَّحِيحِ)أ.ه . وهذا فيه إشارة منه إلى أن العلة فيه هي التشبه بالكافرات أو الزواني.
وقد روي في سبب الحديث أن عروساً مرضت فتمعط رأسها فنهى عن الوصل
وسبب النص قطعي الدخول في النص.
وعلى هذا فليس كل إزالة للعيب تجوز إزالته. كالوصل.
والجواب: أن التمعط في لغة العرب، يطلق على التجرد، فيقال: ذئب أمعط أي: لا شعر له، ويطلق ويراد به التساقط، وهو الأقرب في المراد بالنص ههنا لأنه هو الذي يمكن وصله، وعلى هذا فإن التساقط قد لا يصل إلى حد العيب المقزز من المرأة، الذي تحتاج معه إلى الوصل المنهي عنه، بخلاف المرأة القرعاء التي تحتاج إلى الباروكة لإزالة عيبها، هذا على فرض صحة هذا السبب الوارد في الحديث.
كما يمكن أن يقال: إن صح سند هذا السبب فإن النهي عن إزالة هذا العيب خاص بما يحتاج إلى وصل فقط.
٢- قوله تعالى عن الشيطان: (ولآمرنهم فليغيرن خلق الله).
فالجواب: ليس المقصود به ما قد يتبادر إلى الذهن من تغيير الخلق الظاهر ـوكما هو رأي جمهور المفسرين- بل المقصود هو تغيير الفطرة الحنفيية التي خلق الله الناس عليها إلى الشرك والكفر وعبادة غير الله تعالى. ويكون معنى هذه الآية كمعنى قوله تعالى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) وكما في حديث أَبَي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، وَيُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُنْتَجُ البَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ» ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ}، رواه البخاري. وكما في حديث عياض بن حمار رضي الله عنه:"َإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا، [وفي رواية عند النسائي وغيره وأمرتهم أن يغيرو خلقي] وَإِنَّ اللهَ نَظَرَ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ، فَمَقَتَهُمْ عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ، إِلَّا بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ..." رواه مسلم.
* والنص إذا كان يحتمل معنيين يوافق في أحد معنييه بقية الأدلة، والآخر يعارضها، وجب حمله على ما يوافق تلك الأدلة، لأن الجمع بين النصوص واجب ما امكن، وهي قاعدة الراسخين في العلم بحيث يردون المتشابه إلى المحكم.
- مع العلم أنه ليس كل تغيير مؤقت -غير دائم- يجوز، كالنمص، فهو غير دائم ومع ذلك لا يجوز-.
* القول الثاني: أن الأصل في ذلك الجواز.
فكل تغيير لخلق الله تعالى جائز، ما لم يرد النص بتحريمه، كحديث ابن مسعود السابق، أو دخل في وصف محرم. كحصول الضرر به (لا ضرر ولا ضرار)، أو التدليس (من غشنا فليس منا) -وقد نص المالكية والشافعية وبعض الحنابلة على أن العلة في حديث ابن مسعود: التدليس- ، أو المثلة ( نهى عن المثلة )، أو التوصل به إلى المحرم -الوسائل لها أحكام المقاصد- أو فعله لمعتقد شركي (ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام) أو الوصول إلى حد الإسراف (ولا تسرفوا)، أو التشبه بمن لا يجوز التشبه بهم (من تشبه بقوم فهو منهم).
وذلك للأدلة التالية:
١- أن الأصل في العادات والمعاملات الحل.
قال تعالى: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطَّيِّبَات من الرزق).
وقال صلى الله عليه وسلم: (إن أعظم المسلمين جرماً من سأل عن شيء لم يحرم فحرم من أجل مسألته).
٢- قال صلى الله عليه وسلم: (غيروا هذا الشيب وجنبوه السواد) فليس كل ما فيه تغيير لخلق الله تعالى محرم. وقال في المعتدة من الوفاة: (ولا تختضب) والنهي عن الأخص، دليل على جواز الأعم. فيحمل قوله تعالى: (ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام، ولآمرنهم فليغيرن خلق الله) النهي عن تبتيك آذان الأنعام، دليل على جواز ما عداه من التغيير في خلق الله مما لم يرد النص بتحريمه، لأن النهي عن الأخص دليل على جواز الأعم، وما ورد من النصوص في معين لا يجوز تغييره من خلق الله لا يعارض النهي في الآية، لأنه من باب تأخير البيان عن وقت الخطاب لا من باب تأخير البيان عن وقت الحاجة.
قال صلى الله عليه وسلم: ((يكون قوم يخضبون في آخر الزمان بالسواد كحواصل الحمام لا يريحون رائحة الجنة)). رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وغيرهم، وحسّنه الذهبي في السير، وقوى إسناده الحافظ وصححه الألباني رحمهم الله.
فالنهي عن الخضب بالسواد دليل على جواز ما عداه.
وروى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما: سأله رجل شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العيد أضحى أو فطراً.. وجاء فيه: ثم أتى النساء فوعظهن وذكرهنَّ وأمرهنَّ بالصدقة، فرأيتهنَّ يهوين إلى آذانهنَّ وحلوقهنَّ ).
وورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، تقليد الهدي ووسم إبل الصدقة. وأجاز جمهور الفقهاء خصاء الدواب، فقد ضحى صلى الله عليه وسلم بكبشين املحين أقرنين وفِي لفظ: (موجوين) على خلاف بين المحدثين في صحة هذه الزيادة.
وبعد هذا العرض يتبين رجحان القول الثاني، وأن الأصل في ذلك الجواز حتى يدل الدليل على تحريم ذلك التغيير من خلق الله تعالى.
والله تعالى أعلم.
* وعلى هذا يجوز إزالة التشوهات، ويجوز صبغ الشعر، وتجوز الهندسة الوراثية، ويجوز تقييم الأسنان وتبييضها، وزراعتها، وتكبير الشفاه وتصغيرها، وشفط الدهون، وكل ذلك بالضوابط السابقة -وقد سبق ذلك في حكم عمليات شفط الدهون-.
وبناء على ذلك فإن التغيير الذي يحصل في الصور الفوتغرافية والفتوشوب ونحوهما، يعتبر خلاف الأولى، ولكن التغيير فيه ليس كالتغيير في أصل الخلقة، ولا يعتبر ذلك من الصور المحرمة، لأنه بعد حبس الظل حصل تغيير في الصورة بعد إيجادها، وليس هو إيجاد لصور ذوات الأرواح كما تقدم.
والله تعالى أعلم.
كتبه / محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق