[فصل فيمن يصح منه الأمان]
فصل ويصح الأمان من مسلم عاقل مختار غير سكران ولو قنا أو أنثى بلا ضرر، في عشر سنين فأقل منجزا ومعلقا من إمام لجميع المشركين، ومن أمير لأهل بلدة جعل بإزائهم، ومن كل أحد لقافلة وحصن صغيرين عرفا، ويحرم به قتل ورق وأسر ومن طلب الأمان ليسمع كلام الله ويعرف شرائع الإسلام لزم إجابته ثم يرد إلى مأمنه.
والهدنة: عقد الإمام أونائبه على ترك القتال مدة معلومة ولو طالت بقدر الحاجة، وهي لازمة يجوز عقدها
لمصلحة
حيث جاز تأخير الجهاد لنحو ضعف بالمسلمين ولو بمال منا ضرورة.
ويجوز شرط رد رجل جاء منهم مسلما للحاجة وأمره سرا بقتالهم والفرار منهم، ولو هرب قن فأسلم لم يرد وهو حر، ويؤخذون بجنايتهم على مسلم من مال وقود وحد، ويجوز قتل رهائنهم إن قتلوا رهائننا، وإن خيف نقض عهدهم أعلمهم أنه لم يبق بينه وبينهم عهد قبل الإغارة عليهم.
[باب عقد الذمة]
وأحكامها الذمة لغة: العهد والضمان والأمان، ومعنى عقد الذمة: إقرار بعض الكفار على
كفرهم بشرط بذل الجزية والتزام أحكام الملة، والأصل فيه قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] .
(لا يعقد) أي لا يصح عقد الذمة لغير المجوس) لأنه يروى أنه كان لهم كتاب فرفع فصارت لهم بذلك شبهة، ولأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخذ الجزية من مجوس هجر، رواه البخاري عن عبد الرحمن بن عوف، (وأهل الكتابين) اليهود والنصارى على اختلاف طوائفهم (ومن تبعهم) فتدين لهم بأحد الدينين كالسامرة والفرنج والصابئين لعموم قَوْله تَعَالَى: {مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [آل عمران: 186] ، (ولا يعقدها) أي لا يصح عقد الذمة إلا) من إمام أو نائبه) عقد مؤبد فلا يفتأت على الإمام فيه، ويجب إذا اجتمعت شروطه.
(ولا جزية) وهي مال يؤخذ منهم على وجه الصغار كل عام بدلا عن قتلهم وإقامتهم بدارنا على صبي ولا امرأة) ومجنون وزمن وأعمى وشيخ فان وخنثى مشكل (ولا عبد ولا فقير يعجز عنها) وتجب على عتيق ولو لمسلم (ومن صار أهلا لها) أي للجزية (أخذت منه في آخر الحول) بالحساب.
(ومتى بذلوا الواجب عليهم) من الجزية وجب قبوله) منهم، وحرم قتالهم) وأخذ ما لهم ووجب دفع من قصدهم بأذى ما لم يكونوا بدار حرب، ومن أسلم بعد الحول سقطت عنه، (ويمتهنون عند أخذها) أي أخذ الجزية (ويطال وقوفهم وتجر أيديهم) وجوبا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] ولا يقبل إرسالها.
[فصل في أحكام أهل الذمة]
(ويلزم الإمام أخذهم) أي أخذ أهل الذمة بحكم الإسلام) في (ضمان النفس والمال والعرض وإقامة الحدود عليهم فيما يعتقدون تحريمه) كالزنا (دون ما يعتقدون حله) كالخمر؛ لأن عقد الذمة لا يصح إلا بالتزام أحكام الإسلام كما تقدم، وروى ابن عمر أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أتي بيهوديين قد فجرا بعد إحصانهما فرجمهما» .
(ويلزمهم التميز عن المسلمين) بالقبور بأن لا يدفنوا في مقابرنا والحلي بحذف مقدم رؤوسهم لا كعادة الأشراف ونحو شد زنار، ولدخول حمامنا بجلجل أو نحو خاتم رصاص برقابهم، (ولهم ركوب غير الخيل) كالحمير (بغير سرج) فيركبون (بإكاف) وهو البرذعة لما روى الخلال أن عمر أمر بجز نواصي أهل الجزيرة، وأن يشدوا المناطق وأن يركبوا الأكف بالعرض.
(ولا يجوز تصديرهم في المجالس ولا القيام لهم ولا بدأتهم بالسلام) أو بـ " كيف أصبحت " أو أمسيت أو حالك ولا تهنئتهم وتعزيتهم وعيادتهم وشهادة أعيادهم لحديث أبى هريرة مرفوعا «لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام فإذا لقيتم أحدهم في الطريق فاضطروهم إلى أضيقها» قال الترمذي حديث حسن صحيح.
(ويمنعون من إحداث كنائس وبيع) ومجتمع لصلاة في دارنا (و) من (بناء ما انهدم منها ولو ظلما) لما روى كثير بن مرة قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا تبنى الكنيسة في الإسلام، ولا يجدد ما خرب منها» ، (و) يمنعون أيضا من تعلية بنيان على مسلم) ولو رضي لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الإسلام يعلو ولا يعلى» وسواء لاصقه أو لا إذا كان يعد جارا له، فإن علاه وجب نقضه،و (لا) يمنعون من (مساواته) أي البنيان (له) أي لبناء المسلم؛ لأن ذلك لا يفضي إلى العلو، وما ملكوه عاليا من مسلم لا ينقض ولا يعاد عاليا لو انهدم.
و) يمنعون أيضا (من إظهار خمر وخنزير) فإن فعلوا أتلفناهما، (و) من إظهار (ناقوس وجهر بكتابهم) ورفع صوت على ميت ومن قراءة قرآن ومن إظهار أكل وشرب بنهار رمضان، وإن صالحوا في بلادهم على جزية أو خراج لم يمنعوا شيئا من ذلك، وليس لكافر دخول مسجد ولو إذن له مسلم.
وإن تحاكموا إلينا فلنا الحكم والترك لقوله
تعالى: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} [المائدة: 42] ، وإن اتجر إلينا حربي أخذ من العشر وذمي نصف العشر؛ لفعل عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مرة في السنة فقط، ولا تعشر أموال المسلمين.
(وإن تهود نصراني أو عكسه) بأن تنصر يهودي لم يقر) لأنه انتقل إلى دين باطل قد أقر ببطلانه أشبه المرتد، (ولم يقبل منه إلا الإسلام أو دينه) الأول، فإن أباهما هدد وحبس وضرب، وقيل للإمام: أنقتله؟ قال: لا.
[فصل فيما ينقض العهد]
(فإن أبي الذمي بذل الجزية) أو الصغار أو التزام حكم الإسلام) أو قاتلنا (أو تعدى على مسلم بقتل أو زنا) بمسلمة وقياسه اللواط (أو) تعدى بـ (قطع طريق أو تجسس أو آوى جاسوسا أو ذكر الله أو رسوله أو كتابه) أو دينه (بسوء انتقض عهده) لأن هذا ضرر يعم المسلمين، وكذا لو لحق بدار حرب لا إن أظهر منكرا أو قذف مسلما، وينقض بما تقدم عهده (دون) عهد (نسائه وأولاده) فلا ينتقض عهدهم تبعا له لأن النقض وجد منه فاختص به (وحل دمه) ولو قال: تبت فيخير فيه الإمام كأسير حربي بين قتل ورق ومن وفداء بمال أو أسير مسلم (و) حل (ماله) لأنه لا حرمة له في نفسه، بل هو تابع لمالكه فيكون فيئا وإن أسلم حرم قتله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق