حكم غيبة الفاسق :
قاعدة : ذكر الرجل بما فيه للحاجة الدينية أو الدنيوية يجوز - ما لم يترتب على ذلك مفسدة أعظم من مصلحته - .
فإذا ترتب علي ذلك مفسدة أعظم من مصلحة ذكره به لم يجز، لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( لا تسبوا الأموات فقد أفضوا إلى ما قدموا) جمعاً بينه وبين الجنازة التي مرت فأثنوا عليها شراً - ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم عليهم ذلك ، بل قال ( وجبت ). والمرأة التي ماتت فذكر الصحابة من كثرة قرءاتها وصلاتها إلا أنها كانت تؤذي جيرانها فقال صلى الله عليه وسلم ( هي في النار ).
وقد بيناه في الفرق بين اللعن بالوصف واللعن بالعين .
ومما يدل على جواز ذلك للحاجة ،
قوله تعالى ( لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم ) . وحديث هند بنت عتبة ، قالت : يارسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني وبني ما يكفيني بالمعروف، فقال صلى الله عليه وسلم ( خذي ما يكفيك وبنيك بالمعروف ) ولم ينكر عليها قولها( شحيح ).
ومن ذلك أيضاً حديث فاطمة لما قالت : يارسول الله : إن أبا الجهم ومعاوية خطباني ، فقال صلى الله عليه وسلم ( أما أبو سفيان فصعلوك لا مال له، وأما أبو الجهم فلا يضع العصا عن عاتقه ، انكح أسامة ).
وقوله صلى الله عليه وسلم في الرجل ( بئس أخو العشيرة ).
وروى البخاري مرفوعاً( ما أظن فلاناً وفلاناً يعرفان من ديننا شيئاً)
وفِي الصحيحين عن زيد بن أرقم قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر أصاب الناس فيه شدة، فقال : عبدالله بن أبي : لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ، وقال : لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته بذلك ...) ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم ذكر قول ابن أبي له، وذلك للحاجة الدينية.
وعلى هذا فإن ذكر الفاسق بفسقه للحاجة الدينة أو الدنيوية، ولو كان من باب الغيرة على الدين بما فعل لا بأس به إن لم يكن منقبة .
قال النوري في رياض الصالحين ، باب : ما يباح من الغيبة :
( الخامس : أن يكون مجاهراً بفسقه أو بدعته كالمجاهر بشرب الخمر، ومصادرة الناس ، وأخذ المكس، وجباية الأموال ظلماً ، وتولي الأمور الباطلة ، فيجوز ذكره بما يجاهر به، ويحرم ذكره بغيره من العيوب ، إلا أن يكون لجوازه سبب آخر...).
عن عائشة أن رجلاً استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فقال ( ائذنوا له ، بئس أخو العشيرة) متفق عليه.
قال النووي : ( احتج به البخاري في جواز غيبة أهل الفساد وأهل الريب).
فأهل الفساد والريب إذا كان المقصود هو التحذير منهم ومن شرهم أو حمية لله ورسوله، وغيرة على انتهاك حدود الله تعالى ، فلا بأس به.
قال ابن القيم : ذكر الرجل بما فيه للحاجة يجوز.أ. ه.
فكل مقصود صحيح لا يمكن التوصل إليه إلا بذكر الرجل بما يكره ، كان ذكره به جائزاً، ولا يعتبر ذلك من الغيبة ، وإلى ذلك أومأ الحافظ ابن حجر في الفتح .
قال ابن عبد الهادي رحمه الله :
&&&&ً" ثُمَّ أَخَذَ يَذْكُرُ أَنَّ لُحُومَ الْعُلَمَاءِ مَسْمُومَةٌ، وَأَنَّ الْوُقُوعَ فِيهِمْ أَمْرٌ عَظِيمٌ، وَالتَّطَاوُلَ لأَعْرَاضِهِمْ بِالزُّورِ وَالافْتِرَاءِ مَرْتَع وَخِيمٌ، وَالاخْتِلافَ عَلَى مَنِ اخْتَارَهُ اللَّهُ مِنْهُمْ لَنَقْشِ الْعِلْم خُلُقٌ ذَمِيمٌ، وَقَدْ صَدَقَ فِي ذَلِك.
َهَذَا لِلْعُلَمَاءِ، وَأَمَّا مَنْ فِيهِ أَمْرًا وَبِدْعَةً، فَبَيَانُ أَمْرِهِ وَإِظْهَارُهُ أَفْضَلُ، كَمَا قَدْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الأَئِمَّةُ، وَأَمَّا مَا ذُكِرَ مِنْ نَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الاغْتِيَابِ، فَهَذَا لَيْسَ هُوَ مِنَ الاغْتِيَابِ وَأَنَّمَا هَذَا مِنَ الدِّينِ , الْكَلامُ فِي الْمُبْتَدَعِ، وَإِظْهَارُ بِدْعَتِهِ، وَالْكَذَّابِ وَبَيَانِ كَذِبِهِ مِنَ الدِّينِ الْمُتَعَيَّنِ.
وَأَمَّا مَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ سَبِّ الأَمْوَاتِ، فَإِنَّ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ التَّحْذِيرِ مِنْ أَنْ يَتَّبِعَ غَيْرَ مُْتَبِعٍ، وَالانْتِصَارُ لأَهْلِ الْبِدَعِ أَمْرٌ مَذْمُومٍ، أَذَمُّ مِنَ السَّبِّ.
ثُمَّ جَاءَ وَقَصَدَ الإِطَالَةَ وَالشَّقَاشِقَ بِأَمْرٍ خَارِجٍ فَسَاقَ أَحَادِيثَ فِي لَعْنِ آخِرِ هَذِهِ الأُمَّةِ أَوَّلَهَا، وَفِيمَنْ كَتَمَ عِلْمًا ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: فَالإِقْدَامِ عَلَى الْغِيبَةِ مَعَ الْعِلْمِ بِتَحْرِيمِهَا أَمْرٌ كَبِيرٌ، وَمَا وَرَدَ فِي النَّهْيِ عَنْهَا، وَعَنْ سَبِّ الأَمْوَاتِ كَثِير، وَإِنَّمَا الْغِيبَةُ الْمُحَرَّمَةُ كَمَا قُلْنَا، فَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ، أَوِ الْكَذِبِ، فَلَيْسَ ذَلِكَ فِيهِ بَمُحَرَّمٍ، ثُمَّ ذَكَرَ أَمْرَ الْغِيبَةِ، وَحَدِيثَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا تَتَّبِعُوا عوَرَاتِ الْمُسْلِمِينَ، وَلا عَثَرَاتِهِمْ» .
وَحَدِيثَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا تَسُبُّوا الأَمْوَاتَ» ، وَهَذِهِ الأَحَادِيثُ أَمْرُهَا مَشْهُورٌ، وَكَلامُ الأَئِمَّةِ فِيهَا مَعْلُومٌ، وَإِنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا مُحَرَّمٌ فِي أَهْلِ الْخَيْرِ، دُونَ أَهْلِ الشَّرِّ " .
( جمع الجيوش والدساكر على ابن عساكر ص122 )
ﻋَﻦْ ﺇِﺑْﺮَﺍﻫِﻴﻢَ النخعي ﻗَﺎﻝَ :" ﺛَﻼﺙٌ ﻛَﺎﻧُﻮﺍ ﻻ ﻳَﻌُﺪُّﻭﻧَﻬُﻦَّ ﻣِﻦَ ﺍﻟْﻐِﻴﺒَﺔِ : ﺍﻹِﻣَﺎﻡُ ﺍﻟْﺠَﺎﺋِﺮُ ، ﻭَﺍﻟْﻤُﺒْﺘَﺪِﻉُ ، ﻭَﺍﻟْﻔَﺎﺳِﻖُ ﺍﻟْﻤُﺠَﺎﻫِﺮُ ﺑِﻔِﺴْﻘِﻪِ "*
الغيبة لابن أبي الدنيا.
و صح ذلك أيضا عن الحسن و يحيى بن أبي كثير و روي عن ابن عيينة و غير واحد من السلف .
وقال القرافي رحمه الله :
" وَلَا يَجُوزُ التَّفَكُّهُ بِعِرْضِ الْفَاسِقِ فَاعْلَمْ ذَلِك ".َ (الفروق 4/208).
وقال شيخنا ابن عثيمين رحمه الله : " وقد شاع عند الناس كلمة غير صحيحة وهي قولهم: [لا غيبة لفاسق] هذا ليس حديثًا وليس قولاً مقبولا بل الفاسق له غيبة مثل غيره، وقد لا يكون له غيبة فإذا ذكرنا فسقه على وجه العيب والسب فإن ذلك لا يجوز، وإذا ذكرناه على سبيل النصيحة والتحذير منه فلا بأس بل قد يجب، والمهم أن هذه العبارة ليست حديثًا عن الرسول عليه والسلام " . انتهى
(6/111) من شرح رياض الصالحين .
كتبه / محمد بن سعد العصيمي / كلية الشريعة/ جامعة أم القرى .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق