حكم الانتعال قائماً :
روى الترمذي من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينتعل الرجل قائماً)، ورواه أبو داود من طريق جابر ، وله طرق ذكرها العلامة الألباني في سلسلة الآحاديث الصحيحة ، وصحح الحديث.
١ - القاعدة عند جمور العلماء : أن النهي في باب الآداب وتهذيب السلوك : للكراهة، مالم يصرف بالدليل أو القرينة إلى التحريم.
حيث دلّ على ذلك لغة العرب، فأن الأمرفي اللغة له إطلاقات كثيرة، فلما كان في باب الآداب وتهذيب السلوك كانت قرينة صارفة له إلى ذلك.
وكذلك مما يدل على ذلك التتبع والإستقراء، فالأعم الأغلب، أنه على هذا النحو في هذا الباب.
وعلى هذا فحديث ابن عمر مرفوعاً( إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه ، وإذا شرب فليشرب بيمينه، فإن الشيطان يأكل ويشرب بشماله ) عند من يوجب الأكل باليمين - مع أنه في باب الآداب - ، حمل على الوجوب لوجود القرينة الدالة على ذلك، فإذا نهينا عن التشبه بالكافرين، فالتشبه بالشيطان الذي هو زعيمهم ورئيسهم من باب أولى .
والدعاء على من أمتنع عن الأكل أو الشرب بيمينه، إنما كان من أجل الكبر ، حيث قال ( لا أستطيع) فقال عليه الصلاة والسلام ( لا أستطعت ما منعه إلا الكبر).
٢ - القاعدة : الأصل في الأحكام الشرعية التعليل ، لقوله تعالى ( وهو العليم الحكيم ) والحكيم : هو الذي يضع الشيء في موضعه.
والعلة في النهي عن الانتعال قائماً ظاهرة ، وهي عدم المشقة على المنتعل - إذا كانت النعال كالسبتيتين ونحوها، مما قد تتسبب في سقوطه أو ظهوره بمظهر غير لائق.
فإن قيل : العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
فالجواب : أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب إذا كان شخصياً، أما إذا كان معنوياً ، فإن العام يتقيد بما يشبه حال ذلك السبب،- وقد تم إيضاحه في القواعد التسعون في الفقه والأصول -
وهنا السبب معنوياً لا شخصياً -.
٣ - القاعدة : أن العرف المقارن للخطاب من مخصصات النص العام .
فلما كان الانتعال في العهد النبوي غالباً على السبتيتين ، كان النهي موجه لمن كانت نعاله سبتيتين وما في معناها مما يشق التنعل بهما حال القيام.
٤ - ويؤيده ما رواه إسحاق بن راهويه في مسنده عن عائشة رضي الله عنها قالت: انتعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما وقاعدا وشرب قائما وقاعدا، وانفتل عن يمينه وشماله.
وفي مصنف ابن أبي شيبة أن عليا رضي الله عنه انتعل قائما.
قال الخطابي رحمه الله : "يشبه أن يكون إنما نهى عن لبس النعل قائماً ؛ لأن لبسها قاعداً أسهل عليه وأمكن له وربما كان ذلك سبباً لانقلابه إذا لبسها قائماً ، فأمر بالقعود له والاستعانة باليد ليأمن غائلته . والله أعلم" انتهى من "معالم السنن" (4/203) .
وقال المناوي رحمه الله : " والأمر للإرشاد؛ لأن لبسها قاعداً أسهل وأمكن ومنه أخذ الطيبي وغيره تخصيص النهي بما في لبسه قائماً تعب كالخف" انتهى من فيض القدير(6/441)
وبعد هذا العرض يتبين أن النهي في الحديث ليس للتحريم وإنما للكراهة أو الإرشاد، وذلك بناء على التقعيد السابق، واستخراج الحكم الشرعي على ضوء القواعد الشرعية، والله تعالى أعلم .
كتبه / أبو نجم/ محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة/ جامعة أم القرى .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق