حكم دعاء ختم القران :
اختلف العلماء في ذلك على قولين :
القول الأول: أنه غير مشروع.
وقد نص الحنفية والمالكية على كراهيته،
واستدلوا :
بانه لم يثبت عن النبي ﷺ ولا عن أحد من الصحابة- رضي الله عنهم - .
وقد رويت آثار موقوفة عن ابن مسعود وابن عباس وسعد بن أبي وقاص وليس يثبت ذلك عنهم .
وأجيب : أنه قد روى مسعر وهمام عن قتادة عن أنس : " أنه كان إذا ختم جمع أهله ".
ويروى عن همام عن ثابت أنس والمحفوظ الأول .
وكذلك رواه صالح المري وجعفر الضبعي عن ثابت قال : " كان أنس إذا ختم القرآن جمع ولده وأهل بيته فدعا لهم ".
وهذه أخبار صحاح لا مدفع لها .
١ - فإن قيل : هذا ثبت خارج الصلاة، ولا يقاس ما فعل في خارج الصلاة على ما هو داخل الصلاة والعبادات توقيفية
فالجواب : أن الموضع موضع دعاء ، وما كان في الصلاة من موضع يجوز فيه الدعاء ، فالدعاء والثناء فيه مشروع .
٢ - فإن فيل السبب مختلف ، فسببه الانتهاء من الختم في الصلاة، وختم أنس خارج الصلاة.
فالجواب : أن هذا فرق غير مؤثر، فإن ختم في غير الصلاة دعاء، وإذا ختم في الصلاة دعاء
لوجود السبب، والدعاء كان في موضع يجوز فيه الدعاء، سواء كان في الصلاة أو في خارج الصلاة .
٣ - فإن قيل : هذا فعل صحابي ، وفعل الصحابي ليس بحجة ، إذ إن قوله ليس بحجة ، ففعله من باب أولى .
وذلك لأن العلماء قد أجمعوا على أن قول الصحابي ليس بحجة على صحابي آخر ، فلا يكون حجة علينا ، لأننا جميعاً مخاطبون بالتشريع- وقد سبق تقريره بأدلته في القواعد التسعون في الفقه والأصول - .
فالجواب : نعم ، فعل الصحابي وقوله ليس بحجة ، ولكن المسألة اجتهادية ، من رآه حجة تعبد لله بما توصل إليه اجتهاده، أو قلد من يجوز تقليده ممن يثق به علماً وورعاً عند عجزه عن الاجتهاد ، حتى يتبين له الحق ، فإذا تبين له الحق لا يسعه إلا إتباعه .
٤ - فإن قيل : أليست مسألة اجتهادية يجوز فيها متابعة الإمام .
فالجواب : نعم ما لم تكن المتابعة مبطلة للصلاة.
ولهذا لا يجوز متابعة الإمام من المأموم في الخامسة إذا تيقن أو غلب على ظنه أنها زائدة.
ويجوز متابعة الإمام الشافعي المذهب في قنوت الفجر ، لمن يعتقد عدم مشروعيته، لكون هذا الدعاء في موضع لا تبطل الصلاة بالمتابعة فيه .
وعلى هذا ائتمَّ بإمامٍ يرى دعاءَ ختم القرآن؛ فيشرع له متابعة إمامه ، لقوله عليه الصلاة والسلام: "إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه ..." متفق عليه.
و متابعةَ الإمام مشروعة فيما لا تبطل الصلاة . وقال صلى الله عليه وسلم : "إن أحسنوا فلكم ولهم، وإن أسآؤا فلكم وعليهم" البخاري.
٥ - فإن قيل : دعاء الختمة لم يكن عليه عمل الناس في المدينة، قال مالك: ما سمعت أنه يدعو عند ختم القرآن وما هو من عمل الناس.
فالجواب : أن عمل المدينة ليس بحجة، فهم بعض الأمة، وليسوا كل الأمة ( لا تجتمع أمتي على ضلالة).
٦ - فإن قيل : دعاء الختمة عبادة، والعبادات توقيفية،
فالجواب : أنه دعاء في موضعه من الصلاة ، ولهذا لم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم على الرجل الذي قال بعد رفعه من الركوع ( ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ). بل قال ( لقد رأيت بضعاً وثلاثين ملكاً يبتدرونها أيهم يكتبها أول) مع أنه لم يعلمه هذا قبل ذلك .
ولم ينكر على أبي بكر لما صلى بالناس عند تأخره، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه، وقال ( اللهم لك الحمد)- ففيه دليل على مشروعية اليدين في حال دعاء القنوت -
٧ - فإن قيل : بما أنه دعاء لما لا يكون مشروعاً.
فالجواب : أن كل ما توفر سببه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفعله، مع وجود المقتضي وانتفاء المانع، فتركه هو السنة .
وهو وإن لم يتوفر سببه في عهد النبي الله عليه وسلم في الصلاة ، فقد توفر سببه في عهد النبي صلى الله وسلم في غير الصلاة ، وكان جبرئيل بدارسه القرآن في كل سنة مرة، وفِي السنة التي توفي فيها دارسه القرآن مرتين.
ولم يفعل قط دعاء الختمة .
القول الثاني: أنه مشروع ومستحب، ويكون عقب الفراغ من القراءة قبل الركوع، وتُرفع فيه الأيدي.
نص على ذلك الشافعية والحنابلة، وأمر به أحمد، وأفتى به جماعة من أهل العلم كابن تيمية وابن القيم .
واستدلوا:
أ-أنه روي عن عثمان رضي الله عنه.
وقد سبق الجواب عليه.
ب-أنه عمل قديم في مكة وبعض الأمصار، قال أحمد: (رأيت أهل مكة يفعلونه، وكان سفيان بن عيينة يفعله معهم)
وقال العباس بن عبدالعظيم: (كذلك أدركنا الناس بالبصرة)
والجواب : أن فعل كل هؤلاء ليس بحجة .
ج-القياس على فعله خارج الصلاة؛ حيث ثبت عن أنس أنه كان إذا ختم القرآن جمع أهله فدعا. رواه سعيد والدارمي.
وقد سبقت مناقشته .
د- لا ينطبق عليه حد البدعة؛ لأن سببه لم يقم في زمن الوحي؛ فلم يختم النبي ﷺ في الصلاة، ولذلك لم يرد عنه أنه دعا.
والجواب : نعم ليس ببدعة ، لأنه دعاء في موضع يصح فيه الدعاء، ولكنه خلاف هدي النبي صلى الله عليه وسلم ، لوجود المقتضي وانتفاء المانع - كما سبق - وختم صلى الله عليه وسلم خارج الصلاة ، ولم ينقل عنه عند ختم القرآن دعاء .
الراجح : أن دعاء الختمة خلاف هدي النبي صلى الله عليه وسلم ، وليس فعله بمسنون، ولا بمشروع ، ولأن فعل الصحابي ليس بحجة.
وبما أنه دعاء في موضع يجوز فيه الدعاء في الصلاة ، تُشرع فيه متابعة الإمام إذا رأى مشروعيته، لأنها متابعة لا تبطل بها الصلاة.
ولا يشرع للإمام أن يفعله لكونه خلاف هدي النبي محمد صلى الله عليه وسلم .
والله تعالى أعلم .
كتبه / محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة .
في التاسع والعشرين من رمضان ، عام ١٤٣٩ه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق