حكم الاحتفال بالزواج في ليلة الكسوف :
إذا كان الكسوف جزءاً يسيراً من الليل بحيث تكون مظاهر الخوف واللجوء إلى الله تعالى ، في وقت الكسوف ظاهرة، من صلاة واستغفار ودعاء وقربة ، وفِي غير وقت الكسوف مظاهر الفرح بالزواج ظاهرة، فلا تعارض بينهما ولا إشكال في الجواز والمشروعية .
وكذا لا إشكال في مشروعية وجواز إلغاء الاحتفال بالزواج في تلك الليلة التي هي سبب لانعقاد الشر وحدوثه ، والتفرغ في تلك الليلة للصلاة والدعاء والاستغفار ، والخوف من الله تعالى بسبب ذلك الحدث من الكسوف ، .وذلك لما في الصحيحين :
من حديث أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِمَا عِبَادَهُ ، وَإِنَّهُمَا لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهَا شَيْئًا فَصَلُّوا وَادْعُوا اللَّهَ حَتَّى يُكْشَفَ مَا بِكُمْ ) .
وروى البخاري ومسلم أيضاً عَنْ أَبي موس رضي الله عنه قَالَ : خَسَفَتْ الشَّمْسُ فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَزِعًا يَخْشَى أَنْ تَكُونَ السَّاعَةُ ، فَأَتَى الْمَسْجِدَ فَصَلَّى بِأَطْوَلِ قِيَامٍ وَرُكُوعٍ وَسُجُودٍ رَأَيْتُهُ قَطُّ يَفْعَلُهُ ، وَقَالَ : ( هَذِهِ الْآيَاتُ الَّتِي يُرْسِلُ اللَّهُ لَا تَكُونُ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ وَلَكِنْ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ ؛ فَإِذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَافْزَعُوا إِلَى ذِكْرِهِ وَدُعَائِهِ وَاسْتِغْفَارِهِ ).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" قَوْله : ( فَأَفْزَعُوا ) : أَيْ اِلْتَجِئُوا وَتَوَجَّهُوا ، وَفِيهِ إِشَارَة إِلَى الْمُبَادَرَة إِلَى الْمَأْمُور بِهِ ، وَأَنَّ الِالْتِجَاء إِلَى اللَّه عِنْد الْمَخَاوِف بِالدُّعَاءِ وَالِاسْتِغْفَار سَبَب لِمَحْوِ مَا فرطَ مِنْ الْعِصْيَان ؛ يُرْجَى بِهِ زَوَال الْمَخَاوِف ، وَأَنَّ الذُّنُوب سَبَب لِلْبَلَايَا وَالْعُقُوبَات الْعَاجِلَة وَالْآجِلَة " انتهى
وكون وقتهما معلوماً عند الفلكيين لأسباب حسية لا يعني إلغاء السبب الشرعي، و هو الأهم وهو تخويف الله تعالى لعباده بهما ، فالكسوف والخسوف إنذار من الله تعالى لعقوبة انعقدت أسبابها ، وليس هما عقاب بل إنذار ( يخوف الله بهما عباده).ولم يقل : يعاقب .
@ فإذا كان الكسوف أو الخسوف هما الغالب في تلك الليلة ، فهل يجب إلغاء مظاهر الفرح بالزواج لوجود السبب الشرعي في إظهار مظاهر الخوف :
الظاهر عدم وجوب الإلغاء ، لأن الصلاة والدعاء والصدقة ونحوها في الكسوف أو الخسوف مستحبة وليست بواجبة على القول الراجح - كما أن الصدقة في وقتهما ليست بواجبة اتفاقاً، فكذا الصلاة - وهو قول الجمهور ، وعدم فعل ذلك لا يستلزم المأثم والذنب ، فلا يوجب الإلغاء.
ولكنه خلاف الأولى ، ويتجه القول بكراهة إظهار مظاهر الفرح في وقت ما يشرع فيه إظهار مظاهر الخوف .
وبعد زوال وقت الخسوف أو الكسوف تزول العلة، والحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً.
والله تعالى أعلم وأحكم .
كتبه / محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق