حكم الطلاق الصوري :
الصورية في العقود : اتفاق العاقدين على إخفاء التعاقد الحقيقي بينهما بعقد ظاهره غير حقيقي.
وهو هنا : إظهار الطلاق مع عدم قصده .
بمعنى : حل قيد النكاح كله أو بعضه ظاهراً، وإبقاؤه باطناً.
@ ولهذا العقد دوافع كثيرة منها :
الطلاق من أجل حصول على إعانات من الدولة، أو الحصول على قروض عقارية، أو الحصول على سكن آخر، أو الحصول على الزواج من الثانية في بلد لا يسمح فيه بالتعدد، وغير ذلك كثير من دوافع الطلاق الصوري .
@ حكم الطلاق الصوري :
١ - إذا كان الطلاق الصوري بلفظ الخبر لا الإنشاء، كأن يخبر من يثبت له الطلاق أنه طلق زوجته بالأمس، وهو لم يطلق، فلا يقع الطلاق على القول الراجح، لأنه لم يصدق في تطليقها بالأمس، ففرق بين الإنشاء والخبر، ولا يقاس الكذب بالطلاق على طلاق إلهازل ، بجامع أن كلاً منهما أراد اللفظ ولم يرد المعنى .
فنقول : إن إلهازل : هو الذي أراد اللفظ والمعنى على سبيل الهزل، لا الذي أراد اللفظ ولم يرد المعنى- وقد تقدم ذلك في حكم طلاق إلهازل - .
٢ - أن من طلق طلاقاً صورياً ، بلفظ الإنشاء وكان الضرر الواقع عليه أعظم من الضرر الصادر منه ، إذ الضرر الصادر منه هو : مفارقة زوجته، وهو لم يرد الطلاق وإنما لا سبيل له عن دفع ذلك الضرر إلا به، فإن زوجته لا تطلق .
لقوله تعالى ( إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ) ، والقاعدة في الإكراه : أن من كان الضرر الواقع عليه أعظم من الضرر الصادر منه فهو معذور، وإلا فلا- تقدمت في القواعد -.
شريطة أن لا يكون له من الطرق المشروعة مخرجاً من وقوع ذلك الضرر عليه ، كالتعريض ، والكذب بالطلاق لا الإنشاء.
لأن الضرورة لا تكن ضرورة إلا بشرطين :
أ - أن نتيقن أن بذلك الشيء تزول الضرورة .
ب- أن لا يوجد غيرها يقوم مقامها.
٣ - أن من أخبر أنه طلق طلاقاً- صورياً - وهو لم يفعل ، لا يعتبر كاذباً إذا كلن له مقصود صحيح لا يمكن أن يتوصل له إلا بالإخبار عنه بخلاف الواقع ، فلا يعتبر كذباً شرعاً.
فكل مقصود صحيح لا يمكن التوصل له إلا بالإخبار عنه بخلاف الواقع فإنه لا يعتبر كذباً شرعاً- وقد تقدم تقريرها والتدليل عليها في القواعد .
٤ - من أخبر بخلاف الواقع للتوصل إلى مقصود صحيح يمكن توصله إليه بغيره، ولكن لم يستحضره في تلك اللحظه ، فهو معذور بإخباره بخلاف الواقع، لأن عدم إدراك ذلك منه في حينه، كان كالمعدوم، والعبرة بالمنظور لا بالمنتظر، فعدم إدراك ما يخلص منه مما هو مشروع للتوصل إلى المقصود، يجعل الموجود كالمعدوم .
@ الفرق بين العقد الصوري، والهزل :
الهزل: فهو من يريد اللفظ والمعنى على سبيل الهزل- وقد تقدم بيان معناه وحكم -.
والعقد الصوري ، يريد اللفظ ولا يريد المعنى .
@ والتلجئة / كل عقد قصد به السمعة دون الحقيقة .
فيكون المعنى : أن يتواطـأ اثنـان علـى إظهـار العقـد، أو صـفة فيـه، أو الإقــرار ونحو ذلك صورة من غير أن يكون له حقيقة .
والتلجئـة في البيـع : هـي
بــأن يظهــر طرفــان بيعــاً لم يريــداه باطنــاً، بــل خوفاً من ظالم ونحوه، فيواطئ المالك رجلاً علـى أن يظهـر أنـه اشـترى السـلعة الــتي يخشــى عليهــا؛ ليحتمــي بــذلك مــن ســطوة الظــالم، وهمــا لا يريــدان بيعــاً
@ الفرق بين العقد الصوري وعقدالتلجئة : عقد الاضطرار في التلجئة ظاهر، بخلاف العقد الصوري، فقد لا يكون فيها اضطرار أصلاً، فقد يكون المقصود مآرب دنيوية ، ومكاسب مادية .
@ الفرق بين الحيل والذرائع ( سبق في القواعد ).
والفرق بينهما وبين العقد الصوري :
أن العقد الصوري قد يكون صريحاً في موافقة الظاهر، ويختلف في النية بعدم إرادة العقد أصلاً، بخلاف الحيلة أو الذريعة ، فإن العقد يكون مشروعاً أريد به باطل، أو اتخذ لا من أجل ذاته، وإنما ليتوصل به إلى مشروع أو غير مشروع.
@ مثال آخر على عقد صوري قد يصل إلى حد الاضطرار :
رجل في السجن منذ فترة
وحكم عليه بالترحيل
وبسبب هذا الحكم تكون زوجته وأولاده معرضون للترحيل
علماً أنه لا قدرة لهم على معاشهم في البلدة التي يرحلونه إليها
فأراد أن يصدر صكاً بإثبات طلقة وهو لا ينوي الطلاق ،وإنما القصد إبعاد الضرر عن المرأة وأولاده ،
لأن والدي الزوجة في مكة ولهما القدرة على رعايتها وأبنائها.
وهو بعد أن يستقر في بلدته ويرتب لأسرته سيأخذهم هناك،
فهل يعتبر هذا طلاقاً ، أو تبقى المرأة في ذمته .
فيكون الجواب حسب التقعيد السابق :
لا يطلق إنشاء للطلاق، وإنما يقول للقاضي من باب الخبر : أنه طلق في الماضي، وهو كاذب .
والكذب في قوله : طلقت زوجتي ، لا يقع به الطلاق على القول الراجح.
وذلك ليثبت الطلاق في صك الطلاق ويتخذه عذراً ليسلم أهله من الضرر .
وعلى فرض أنه لا يوجد طريق - كالتعريض ، والكذب في الطلاق - حتى ينجو من الضرر إلا بالطلاق بلفظ الإنشاء، فإن طلاقه لا يقع إذا كان الضرر الواقع عليه أعظم من فراق أهله.
ولكن في الكذب بالطلاق مندوحه عن أنشاء الطلاق . فلا يلجأ إلى إنشاء الطلاق، في مثل هذه الحالة.
والله تعالى أعلم
كتبه / محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق