القواعد والضوابط في باب هدايا العمال:
-----
جاء في الحديث: (هدايا العمال غلول).
العُمَّال: جمع عامل، وهو في اللغة: "الذي يتولى أمور الرجل في ماله وملكه وعمله".
ومنه قيل للذي يستخرج الزكاة عامل.
واصطلاحاً: من يتولى أمراً من أمور المسلمين، سواء كان ذلك في أخذ الحقوق الواجبة شرعا، كجباية الزكاة ونحوها، أو كان في الولايات العامة أو الخاصة. -كالأجراء على الأعمال-.
وبناءً على ذلك يدخل في حكم العامل: الناظر والوصي والإمام والولي والقاضي والأجير ونحو ذلك. وينتظم في ذلك جميع أنواع الموظفين سواء كانوا في القطاع العام الذي تنفق عليه الدولة وتشرف عليه أو القطاع الخاص الذي لا تنفق عليه الدولة كالأفراد أو المؤسسات أو الشركات.
وبهذا يتبين أن جميع أصناف العمال يشملهم وصف الموظفين سواء كان المستخدم لهم الدولة أو غيرها.
وتكون هدايا العمال والموظفين هي كل ما يستفيده العامل والموظف من التمليكات العينية أو النقدية وكذلك ما يمنحه من التسهيلات أو الخدمات بسبب عمله من غير رب العمل.
والقاعدة: كل هدية يكون سببها ولاية المهدى إليه، أو يكون عمله سببا لحصولها، فهي من هدايا العمال.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-:
(فإن كان الرجل بحيث لو نزع عن تلك الولاية أهدي له تلك الهدية لم تكن الولاية هي الداعية للناس إلى عطيته وإلا فالمقصود بالعطية إنما هي ولايته إما ليكرمهم فيها أو ليخفف عنهم أو يقدمهم على غيرهم أو نحو ذلك مما يقصدون به الانتفاع بولايته أو نفعه لأجل ولايته).
والغلول: سميت هدايا العمال غلولاً، لأنها سبب لخيانة الأمانة.
والقاعدة: كل وسيلة للتوصل إلى خيانة الأمانة فهي غلول.
أشبهة الغال في الغنيمة: وهو الذي أخذ منها شيئاً قبل تقسيمها خفية.
كما أن الرشوة: بذل المال للتوصل إلى باطل.
فكذا الغلول: بذل مال للتوصل إلى خيانة الأمانة.
وبعد هذا العرض والتقعيد، نذكر تمام القواعد والضوابط لهذا الباب:
١- كل هدية لموظف ليس للوظيفة أثر في حصولها فهي جائزة.
فإن كان أهدي إلى الموظف أو العامل لأجل قرابة أو صداقة أو موادة أو غير ذلك من البواعث والأسباب فإنه لا وجه لمنع ذلك وتحريمه.
وبناء عليه: فإن كل الهدايا والتي تقدم لموظفي القطاع العام كموظفي الدولة بجميع قطاعاتها وعلى اختلاف مسمياتها ومراتبها، وكذلك الهدايا المقدمة لموظفي القطاع الخاص كموظفي الشركات والمؤسسات على اختلافها يجوز قبولها إذا لم تكن بسبب ما يشغلونه من وظائف ومسؤوليات وولايات، وليس ذلك داخلا في هدايا العمال والموظفين التي جاءت النصوص بتحريمها.
٢- كل هدية لموظف تأذن فيها جهة الوظيفة فهي جائزة.
لما رواه مسلم من حديث قيس بن أبي حازم عن عدي بن عميرة الكندي قال: سمعت رسول الله يقول صلى الله عليه وسلم: "من استعملناه منكم على عمل، فكتمنا مخيطا فما فوقه، كان غلولا يأتي به يوم القيامة"، قال: فقام إليه رجل أسود من الأنصار كأني أنظر إليه، فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل عني عملك، قال: وما لك؟! قال: سمعتك، تقول: كذا وكذا، قال صلى الله عليه وسلم: "وأنا أقوله الآن: من استعملناه منكم على عمل فليجئ بقليله وكثيرة، فما أوتي منه أخذ، وما نهي عنه انتهى) .
ففيه دليل على جواز المال الذي أذن له بأخذه.
٣- كل هدية لموظف يتسامح فيها عادة فهي جائزة.
كل ما يستفيده العامل أو الموظف من الهدايا بأنواعها فإنه إذا كانت مما جرى العرف على التسامح فيه قدراً ونوعاً، فلا تدخل فيما يمنع من هدايا العمال والموظفين.
وذلك كالضيافة ما لم تزد على الحد المتعارف عليه.
وما زاد على المألوف من الضيافة بسبب الولاية ملحق بهدايا الموظفين والعمال التي لا يجوز قبولها.
قال ابن تيمية رحمه الله: "وأما الرجل المسموع الكلام، فإذا أكل قدراً زائداً عن الضيافة الشرعية، فلا بد له أن يكافئ المطعم بمثل ذلك، أو لا يأكل القدر الزائد، وإلا فقبوله الضيافة الزائدة مثل قبوله للهدية، وهو من جنس الشاهد والشافع إذا أدى الشهادة وأقام بالشفاعة لضيافة أو جعل، فإن هذا من أسباب الفساد).
٤- كل هدية لموظف كافأ عليها المهدي فهي جائزة.
ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية، ويثيب عليها".
أما المالكية فقد ذهبوا إلى التحريم مطلقا حتى في حال المكافأة، وقالوا في علة المنع: (لركون النفوس لمن أهدى إليها، ولأن قبولها يطفئ نور الحكمة ).
والأقرب والعلم عند الله تعالى: أن المكافأة عليها إذا كان يذهب بأثره الهدية، فلا بأس بها، وإذا لم يذهب بأثرها فإنها تكون سبباً لخيانة الأمانة، والقاعدة: الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً.
والقاعدة: إذا تعارض اللفظ والمعنى، قدم المعنى إذا ظهر، وإن لم يظهر فإتباع اللفظ أولى.
٥- جواز الهدايا للموظف مشروط بسلامتها من مظنة التهمة والخيانة.
وبناء عليه: إذا أهدى طلبة تحفيظ القران لمعلمهم شيئاً، لحدوث حدث له من نجاح أو مولود أو تسليته وإعانته فيما حدث له من حادث، فإنه والحالة تلك لا تهمة ولا سبب فيها لخيانة أمانته، ولا يترتب للطالب فائدة دنيوية معتبرة غالباً، ويستوي في ذلك ما إذا كان على رأس العمل أو لم يكن من حيث الإهداء له.
مع العلم بأن الجهة القائمة عليهم ترضى بما يقدم لهم، ويكون سبباً في استمراهم والقيام بمهمتهم.
٦- جميع أوجه المنافع التي تقدم للموظف لها أحكام الهدية.
لأن المال: هو كل ما يتمول وينتفع به، ولأنها إن لم تكن مالاً فهي بمعنى المال.
فالمحاباة تكون بالمال وما هو بمعناه من سائر المنافع.
والله تعالى أعلم.
محمد بن سعد الهليل العصيمي/ الأستاذ المشارك بقسم الشريعة والدراسات الإسلامية / جامعة أم القرى / مكة المكرمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق