حكم اشتراط الشركة في القرض:
فمثلاً: صورة المسألة.
رجلان تقبلا بقالة من رجل بـ300 ألف. دفعها أحدهما. وقال له الآخر: أرباح البقالة لك حتى تأخذ نصيبك من قيمة البقالة وهو نصف الثلاثمائة، أي 150 ألف. ثم تكون الأرباح بيننا، انت بنسبة 60%. وأنا بنسبة 40%.
فما هو الحكم في هذه المعاملة؟
--------
إذا أقرضت صاحبك، ولم تشترط عليه الدخول بهذا المال في الشركة، فلا حرج في ذلك، ثم إن أراد المشاركة بها، واتفقتما على ذلك، فلا حرج أيضاً.
وإن أقرضته على أن يشارك به، فهذا محل خلاف بين الفقهاء:
وقد اتفق الفقهاء على منع اشتراط شيء من عقود المعاوضة كالبيع في القرض؛ عملا ً
بحديث عمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لاَ يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ وَلَا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ وَلَا رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنُ وَلَا بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ) رواه الترمذي، وأبو داود، والنسائي، وصححه الترمذي والألباني.
واختلفوا في الشركة، لأنها ليست من عقود المعاوضة، بل هي مشاركة في الربح.
فمنع منه الجمهور، وأجازه الحنفية.
قال السرخسي في المبسوط -رحمه الله-: (لو دفع ألف درهم إلى رجل على أن يكون نصفها قرضا عليه، ويعمل في النصف الآخر بشركته: يجوز ذلك).
وقال ابن قدامة رحمه الله: "قال: ولو قال: أقرضني ألفا، وادفع إليّ أرضك أزرعها بالثلث كان خبيثا.
والأولى: جواز ذلك إذا لم يكن مشروطا؛ لأن الحاجة داعية إليه، والمستقرض إنما يقصد نفع نفسه، وإنما يحصل انتفاع المقرض ضمنا، فأشبه أخذ السفتجة به، وإيفاءه في بلد آخر.
ولأنه مصلحة لهما جميعا، فأشبه ما ذكرنا"
والأقرب: جواز الشراكة مع القرض بلا شرط المشاركة، وما لم تكن هناك زيادة في نسبة الأرباح من أجل القرض، أو تكون وسيلة لذلك.
فإذا كانت الزيادة في مقابلة القرض كانت محرمة.
وبناء عليه: فإن اشتراط عقد الشراكة ونحوها مما ليس من عقود المعاوضات في عقد القرض، يأول إلى الربا غالباً، لأن المقصود بالقرض عود النفع على المقرض، لأن النفع وإن كان مشتركاً للمقرض والمقترض لكن النفع متساو أو نفع المقرِض هو الغالب، فحرم.
والقاعدة: المعلل بالمظان لا يتخلف بتخلف حكمته.
والقاعدة: إذا اجتمع حاظر ومبيح، غلب جانب الحظر.
ولأن العبرة في القرض بنية المقرِض، والظاهر هنا: أنه لا يريد الرفق والإحسان من قرضه، بل يريد الربح والاتجار، وخصوصاً أنها في عقود المعاوضات.
فإذا وجد القرض بشرط المشاركة، أو كانت النسبة للمقرض زايدة بسبب القرض، كان من القروض التي تجر نفعاً، فكانت حراماً، لأن كل ما يؤدي إلى زيادة في مقابلة القرض فهو حرام وهذا هو قول الجمهور، خلافاً للحنفية كما سبق والله تعالى أعلم.
تنبيه: لا يجوز أن يكون لعامل المضاربة راتب، ولا أي مبلغ مقطوع، وليس له إلا نسبته من الربح التي يأخذها مقابل عمله، فإن اشترط ذلك، بطلت المضاربة.
قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على إبطال القراض إذا شرط أحدهما، أو كلاهما، لنفسه، دراهم معلومة"
وإذا بطلت المضاربة، فإن لعامل المضاربة ربح المثل، على الراجح؛ وهو السهم الذي يأخذه مثله، عادة، من الأرباح، في مثل هذا النوع من المضاربات، مثل: نصف الربح، أو أكثر أو أقل.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-:
"الصواب أنه يجب في المضاربة الفاسدة: رِبْح المثل، لا أجرة المثل.
فيعطى العامل ما جرت به العادة أن يعطاه مثله من الربح: إما نصفه، وإما ثلثه، وإما ثلثاه".
والقاعدة في الشركات: الربح بنصيب مشاع، والخسارة على صاحب المال في ماله، وعلى صاحب العمل في عمله.
والله تعالى أعلم.
محمد بن سعد الهليل العصيمي / كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق