حكم إقامة الجمعة في البيوت عند تعذرها في المساجد :
————
ليس هنالك من مانع من إقامة الجمعة في البيوت إذا تعذرت الجمعة في المسجد - لخوف وباء ونحوه - .
وذلك للأسباب التالية :
١ - لقوله صلى الله عليه وسلم ( جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً)
٢ - إذا صحت الصلوات المفروضة في غير مسجد ، صحت الجمعة في غير مسجد كذلك ، يجامع الفرضية في كل .
٣ - ما تنعقد به الجماعة - اثنين أو ثلاثة ، فأكثر - تنعقد به الجمعة قياساً على ما تنعقد به الجماعة ، ففي صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعاً:( إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم ) قال أبو الحق الإشبيلي : وهذا يشمل الجمعة وغيرها.أ. ه .
والجمعة تنعقد بثلاثة لهذا الحديث وهو الأرجح في اشتراط هذا العدد .
واشتراط غير ذلك من العدد لم يثبت اشتراطه في الجمعة .
٤ - أن عدم اشتراط الجمعة في المسجد هو مذهب الشافعية، والظاهرية، ورواية عن الإمام أحمد ، ويدل على ذلك : أن أول جمعة جمعت في المدينة كانت تحت ظلال النخل يؤمهم أسعد بن زرارة ، وذلك قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم للمدينة .
فكانت في غير مسجد .
٥ - أن الجمهور لا يشترطون إذن الإمام لإقامة الجمعة ، لأنها من فروض الأعيان ، كالصلوات الخمس .
ولأن الحق في ذلك لله تعالى ، فلا يملك إسقاطه الآدمي .ولوجوب صلاة الجمعة لمن استطاع، ومنع السلطان من الاجتماع في المسجد خوفاً من الوباء، لا يمنع أهل البيت الواحد المجتمعين فيه من إقامتها إذا كانوا جمعاً ، لانتفاء علة المنع بعدم انتشار الوباء بينهم .
٥ - ولأن سقوط وجوب الجمعة عن المسافرين ، لا يعني سقوطها عن المقيمين .
٦ - ولأن عدم وجوب الجمعة على أهل البوادي ، لكونهم لا يجتمعون غالباً، أو لعدم وجوب من يخطب بهم ، أو نحو ذلك من الأعذار ، وعند عدم الاستطاعة على إقامة الجمعة ، أو كان في ذلك مشقة عليهم غير معتادة تسقط الجمعة للعذر ، وتتعين عليهم ظهراً ، وقيل : إن العلة : هي عدم الاستيطان ، وفي ذلك خلاف مشهور ، وهي علة مستنبطة، محتملة ، ومحتمل ما سبق، وههنا الاستيطان متوفر .
٧ - ولقوله تعالى :( يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ).
و( الذين ) في الآية : اسم موصول ، وهو من صيغ العموم ، فيشمل المقيم والمسافر ، والصحيح والمريض، والذكر والأنثى ، والصغير والكبير، والحر والعبد، والعاقل والمجنون، ويخص من الوجوب : الصغير ، والأنثى ، والمسافر ، والعبد، والمريض الذي يتضرر بحضوره من المرض، والمجنون ، بالأدلة التي دلت على عدم وجوبها عليهم ، فإن صلى الجمعة المسافر والمريض والأنثى ، والعبد ، صحت منهم ، وكون النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل الجمعة، لا يعني عدم صحتها لمن صلاها من المسافرين، لدخولهم في الآية ( يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة ).
علماً بأن الحنفية يشترطون الإمام الأعظم أو نائبه ، وهذا ليس بشرط لكون الجمعة من الفرائض المتعلقة بالأعيان - كما سبق -.
وأما المالكيه فيشترطون المسجد الجامع ،
وقد سبق أن بينا أن الأرض كلها مسجد وطهور كما في الحديث المتفق عليه .
وأما الشافعيه والحنابلة :يشترطون الأربعين من أهل وجوبها ، وهذا ليس بشرط لعدم الدليل على اشتراطها في الجمعة خاصة ، وقد أتم النبي صلى الله عليه وسلم الجمعة لما وصلت القافلة ولم يبق إلا العدد اليسير . وقد نص الشافعية على مشروعية صلاة الجمعة في البيوت .
ولا يرد على هذا مخالفة مقاصد الشريعة في إقامة الجمعة : فهذه حكمة وليست علة ، وقد سبق في القواعد : التفريق بين الحكمة والعلة .
وزعم أن الجمع والأعياد منوطة بالإمام الأعظم : فيه نظر ، فإن الجمع والأعياد من شعائر الإسلام يجب إقامتها عند القدرة والاستطاعة ما لم يكن المانع موجوداً كوباء ونحوه .
* وكون هذه العبادات لها هيئة معينة يجب إتباعها : لا يعني أنها تسقط عند القدرة عليها في غير المساجد إن أمكن . فكل عبادة لا بد أن تكن على هيئتها، وصلاة الاستقاء والكسوف المشروع أن تكون خارج المسجد، فإن صليت في المسجد جاز ، فكذا ههنا .
وكونها من شعائر الإسلام لا يعني وجوب إقامتها في المسجد ، بل تجوز في مسجد وغيره كالأذان .
* وتعقب الهيتمي - السبكي - في فتاويه: ((وسئل) - نفع الله به - هل يلزم المحبوسين إقامة الجمعة في الحبس؟
* (فأجاب) بقوله: القياس أنه يلزمهم ذلك إذا وجدت شروط وجوب الجمعة وشروط صحتها ولم يخش من إقامتها في الحبس فتنة لكن أفتى غير واحد بأنها لا تلزمهم مطلقا وقد بالغ السبكي فقال لا يجوز لهم إقامتها وإن جاز تعددها وهو بعيد جدا وإن أطال الكلام فيه في فتاويه والاستدلال لعدم الوجوب بأن الحبوس لم تزل مشحونة من العلماء من السلف والخلف ولم ينقل أن أحدا منهم أقامها في الحبس يمكن الخدش فيه بأنه لا يتم إلا إن ثبت أنه وجد في حبس أربعون شافعيا ممن يعتد بفعلهم ولم يقيموها مع توفر ما ذكرناه من الشروط وعدم خوف الفتنة فمن أثبت هذا اتضح له عدم الوجوب ومن لم يثبته يلزمه أن يقول بالوجوب. فإنه الذي يصرح به كلام أصحابنا.
* ولقد كان البويطي وهو في قيوده في الحبس يغتسل ويلبس نظيف ثيابه ويأتي إلى باب السجن فيشاور السجان في صلاة الجمعة فيمنعه فيرجع ويقول الآن سقطت الجمعة عني فتأمل محافظة هذا الإمام الذي هو أجل أصحاب الشافعي - رضي الله عنه - ولذا استخلفه في حلقته وأخبره بهذه المحنة التي وقعت له بقوله له: ستموت في قيودك على صلاة الجمعة، مع ما هو عليه تجده كالصريح في أنه لو أمكنه إقامتها في الحبس لفعلها فيه فإن قلت إن أقاموها قبل جمعة البلد أفسدوها على أهلها أو بعدها لم تنعقد لهم. قلت ممنوع فيهما بل عذر الحبس لا يبعد أنه يجوز التعدد فيفعلونها متى شاءوا قبل أو بعد ولا حرج عليهم حينئذ.
*
* (وسئل) - أعاد الله علينا من بركاته - عن بيت واحد فيه أربعون متوطنون بصفة من تلزمهم الجمعة فهل يلزمهم إقامتها أو لا؟
* (فأجاب) بقوله: أفتى جمع يمنيون بعدم الوجوب أخذا من قولهم: الشرط أن تقام بين الأبنية ولا أبنية هنا وقياسا على أهل الخيام، وأفتى آخرون بوجوبها عليهم وهذا هو الأوجه ولا دليل للأولين في تعبير الأصحاب بالأبنية لأنه للغالب ولا في القياس على أهل الخيام لأن من شأن أربابها النجعة وعدم توطن محل واحد بخلاف أهل البناء الواحد فإن من شأنهم توطن بنائهم وعدم النقلة منه وشتان ما بين هذين فزعم بعضهم أن أهل البناء الواحد أولى بعدم الوجوب من أهل الخيام غلط واضح إذ لا مساواة بوجه فضلا عن الأولوية.)
*
* و قال ابن مفلح في حواشي الفروع (6) "لو اجتمع في السجن أربعون، هل يصلون جمعة، لأنهم في حكم المستوطنين، والصلاة في المسجد ليست شرطًا، والانفراد عن الجمع يجوز للحاجة؛ ويحتمل أن يصلوا ظهرًا لعدم الاستيطان، أشبه ما لو حبسوا بخيمة، أو صحراء في بعد عن المِصر .أ.ه.
@ والجواب عن هذه الإشكالات :
١- المنقول المتواتر أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يُجَمّع في أسفاره للغزو والعمرة والحج قط وقد نزل تبوك أكثر من عشرين يوما ونزل مكة وغيرها .
فالجواب : أن صلاة الجمعة للمسافر ليست بواجبة، بل رخصة ، ومسألتنا ليست في المسافر ومن في حكمه من أهل البوادي.
٢- ثبت أن أباهريرة لما بعثه أمير المؤمنين عمر الى أهل البحرين بعث لعمر يستأذنه أن يقيم فيهم الجمعة فأذن له .
والجواب : أن الاستئذان من باب التأكيد ، أو أن هذا من باب تحقيق المناط ، في كونهم ممن تجب عليهم الجمعة أم لا، وعلى فرض ذلك فإن قول الصحابي ليس بحجة - كما بيناه بأدلته في القواعد -.
٣- ثبت عن أمير المؤمنين عليّ قوله : لا جُمعة إلا في مصر جامع
ثبت عنه من طريقين عند عبدالرزاق وابن أبي شيبة.
والجواب عنه : أنه نفي لوجوب الجمعة عن المسافر ومن في حكمه خارج الأمصار ، ومسألتنا في الأمصار ، وعلى فرض عدم ذلك فهو اجتهاد من الصحابي الجليل ، قد يصيب في اجتهاده وقد يخطيء ، وقوله ليس بحجة .
٤- ثبت ان معاذ بن جبل كان يخطب فقال : يا أهل قردا يا أهل دامرة "قرى حول دمشق على اربعة فراسخ": إن الجمعة تلزمكم، ولا جمعة إلا معنا" أخرجه عبد الرزاق وابن أبي شيبة .
والشاهد منه قوله وهو من أفقه الصحابة : لا جمعة إلا معنا
وكذا ثبت عن عبدالله بن عمرو
ولا نعلم لهؤلاء الصحابة مخالفا، وفيهم الخلفاء الراشدون
والجواب : أن هذا في تعدد الجمع لأهل البلد ، وهذا لا يكون إلا في حال الاضطرار، وليست هي مسألتنا ، فليتنبه .
٥ - وهو قول عطاء والزهري وابن جريج وابو بكر بن حزم وعمرو بن دينار وعمر بن عبد العزيز في الأصح عنه
وهو قول مالك قال في الموطأ:
إن جمّع الإمام وهو مسافر بقرية لا تجب فيها الجمعة فلا جمعة له ولا لأهل تلك القرية ولا لمن جمّع معهم من غيرهم ١٠٧/١
* فمالكا ينص على ذلك في حق الإمام فكيف غيره؟!*
وفي المغني للشيخ الموفق ١٨٢/٢: وقال ابو حنيفة ومالك والشافعي لا تجوز الجمعة في بلد واحد في أكثر من موضع وحد لان النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يجمع إلا في مسجد واحد وكذلك الخلفاء بعده قال عبدالله بن عمر : لا تقام الجمعة إلا في المسجد الأكبر الذي يصلي فيه الإمام. اه
ومن هنا أخذ أحمد إذن الإمام في إيقاع جمعة أخرى عند اتساع المدينة
فكيف يُقال بعد هذا تُصلى في البيوت وفي أي مكان متى اجتمع ثلاثة فأكثر؟!
ومن ثم نقل ابن قدامة الإجماع على عدم جواز إحداث جمعة بغير جمعة الإمام ونائبه
فقال: فأما مع عدم الحاجة فلا يجوز جمعة في أكثر من جامع واحد لا نعلم في هذا مخالفا.
وأما ما روي عن أنس ابن مالك
كما علقه البخاري : وكان أنس اذا كان في قصره بالزاوية وهي على فرسخين من البصرة أحيانا يُجمّع وأحيانا لا يجمع
وبوّب عليه البخاري : باب من أين تؤتى الجمعة .
فمعناه الواضح أن أنسا ربما عزم فقطع الفرسخين ليشهد الجمعة بالبصرة وربما لا يشهدها ويترخص لبعد المسافة
كما دلت عليه رواية الأثر عند ابن أبي شيبة
وكذا ما افتى به الزهري رزيق بن حكيم وكان أميرا على أيلة وله بها رباع وموالي فأمره بإقامة الجمعة واحتج بحديث : الأمير راع وهو مسؤول عن رعيته .
فهذا كله في تعدد الجمعة ، وليست هي عين مسألتنا فليتنبه ، حتى لا يحصل الخلط بين مسألتين .
وإليك أقوال العلماء رحمهم الله تعالى - في حكم صلاة الجمعة في البيوت لعدم القدرة على إقامتها في المساجد كوباء ونحوه -.
لتوضيح ذلك لا بد أولاً من بيان الشروط الواجب توفرها لانعقاد الجمعة ، وهي متفاوتة بين الفقهاء ؛ وذلك من نواحٍ عدة :
الأولى : إذن ولي الأمر لإقامة الجمعة : هو شرط عند الحنفية .
وجمهور الفقهاء ( المالكية والشافعية والحنابلة ) على عدم اشتراط إذن ولي الأمر .
الثانية : اشتراط اكتمال النصاب ( العدد ) لانعقاد الجمعة : وهذا فيه نزاع كبير :
فالشافعية والحنابلة يشترطون : أربعين رجلاً ، والمالكية : اثني عشر رجلاً ، وأبو حنيفة ومحمد : ثلاثة سوى الإمام ، وأبو يوسف : اثنين سوى الإمام . وهذا الأخير قول الثوري والحسن البصري وأبي ثور أيضاً .
وذهب إبراهيم النخعي والحسن بن حيي : إلى أنه يكفي لإقامة الجمعة واحد مع الإمام . وهو رأي ابن حزم وابن المنذر في عدم اشتراط العدد مطلقاً .
الثالثة : اشتراط المسجد لإقامة الجمعة : وهو شرط عند المالكية .
وجمهور الفقهاء ( الحنفية والشافعية والحنابلة ) على أن المسجد ليس شرطاً لإقامة الجمعة . ولكنهم يشترطون عمومية المكان .
وعلى هذا فقد اختلف أهل العلم في مشروعية صلاة الجمعة في البيوت والسجون ونحوها إذا توافر أقل العدد المشروط . وذلك على قولين :
القول الأول : أنه يشرع لهم صلاة الجمعة في البيوت والسجون ونحوها .
وهو مذهب بعض الحنابلة وبعض الشافعية :
( لكن الشافعية اشترطوا العدد أربعين رجلاً ، على أصل مذهبهم )
وهو مذهب ابن حزم الظاهري ( ولم يشترط عدداً بل يكفي واحد مع الإمام ) .
قال القاضي أبو يعلى الحنبلي في التعليق الكبير : وقد أخذ أحمد رحمه الله بظاهر هذا الحديث في الجمعة ( أي حديث : يكون عليكم أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها ) ، فقال وقد سُئل : إذا أخَّروا صلاة يوم الجمعة ؟ فقال : ( يصليها لوقتها ، ويصليها مع الإمام ) .
وقال ابن حزم في المحلَّى ( ويصليها المسجونون والمختفون ركعتين في جماعة بخطبة كسائر الناس )
وقال ابن حزم أيضاً في المحلى : ( ولو صلاها الرجل المعذور بامرأته صلاها ركعتين ، وكذلك لو صلاها النساء في جماعة ) .
وقال الإمام ابن حجر الهيتمي الشافعي في الفتاوى الفقهية الكبرى لما سُئل : هل يلزم المحبوسين إقامة الجمعة في الحبس ؟
فأجاب : ( القياس أنه يلزمهم ذلك إذا وجدت شروط وجوب الجمعة وشروط صحتها ولم يخش من إقامتها في الحبس فتنة )
وجاء فتاوى اللجنة الدائمة : ( إذا أقيمت الجمعة داخل السجن أو في غيره ، واستطاع أداءها فتجب عليه ) واستدلوا بدليلين :
الأول : عمومات النصوص الآمرة بإقامة الجمعة ، ولم تشترط المساجد ، ولم تستثن البيوت ، ونحوها .
الثاني : القياس على الصلوات الخمس جماعة في البيت للحاجة ؛ فإذا جازت الفرائض الخمس في البيوت للحاجة فالجمعة مثلها .
القول الثاني : أن صلاة الجمعة لا تجوز ولا تُشرع في البيوت والسجون ونحوها :
وهذا مذهب جماهير الفقهاء في المذاهب الأربعة وغيرها .
وإنما اختلف هل تصلى الظهر بدلاً عن الجمعة جماعة أم فُرادى على قولين : أصحهما : أن تصلى جماعة .
قال السبكي الشافعي في فتاواه : ( لا يجوز لهم إقامة الجمعة في السجن بل يصلون ظهراً لأنه لم يبلغنا أن أحداً من السلف فعل ذلك مع أنه كان في السجون أقوام من العلماء المتورعين والغالب أنه يجتمع معهم أربعون وأكثر موصوفون ).
وقد اعترض ابن حجر الهيتمي الشافعي في الفتاوى الكبرى على كلام السبكي بقوله : ( وقد بالغ السبكي فقال : ( لا يجوز لهم إقامتها وإن جاز تعددها ) وهو بعيد جداً وإن أطال الكلام فيه في فتاويه والاستدلال لعدم الوجوب بأن الحبوس لم تزل مشحونة من العلماء من السلف والخلف ولم ينقل أن أحداً منهم أقامها في الحبس يمكن الخدش فيه بأنه لا يتم إلا إن ثبت أنه وجد في حبس أربعون شافعياً ممن يعتد بفعلهم ولم يقيموها مع توفر ما ذكرناه من الشروط وعدم خوف الفتنة فمن أثبت هذا اتضح له عدم الوجوب ومن لم يثبته يلزمه أن يقول بالوجوب ، فإنه الذي يصرح به كلام أصحابنا ) .
وقال ابن رجب الحنبلي : ( لا تقام الجمعة في السجن ، وإن كان فيه أربعون ، ولا يعلم في ذلك خلاف بين العلماء ، وممن قاله : الحسن ، وابن سيرين ، والنخعي ، والثوري ، ومالك ، وأحمد ، وإسحاق ، وغيرهم ) .
وعلى هذا فإن هناك قولاً بجواز صلاة الجمعة في البيوت ، فمن أراد أن بصلي الجمعة في بيته ومع أهله فله ذلك ؛ تقليداً لهؤلاء الأئمة المذكورين والقائلين بجواز ذلك ، وهو رأي معتبر في مذهبين معتبرين ( الشافعية والحنابلة ) بل أيده الإمام ابن حجر الهيتمي وهو إمام المذهب الشافعي . كما أنه مذهب الظاهرية .
تنبيه : الصلاة خلف المذياع والنقل المباشر لخطيب الجمعة والصلاة خلفه تصح على الأرجح ، ولو مع اتساع المسجد وعدم اتصال الصفوف، إذا كانوا في وقت واحد ، لأن الغاية هي امكان الاقتداء، وقد أمكن وفي البخاري : صلى النبي صلى الله عليه وسلم في بيته وصلوا خلفه وبينهما جدار قصير ). ، هو في بيته وهم خارج البيت.
وذلك لتمكنهم من الاقتداء به صلوات ربي وسلامه عليه .
والله تعالى أعلم .
كتبه / محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى .
————
ليس هنالك من مانع من إقامة الجمعة في البيوت إذا تعذرت الجمعة في المسجد - لخوف وباء ونحوه - .
وذلك للأسباب التالية :
١ - لقوله صلى الله عليه وسلم ( جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً)
٢ - إذا صحت الصلوات المفروضة في غير مسجد ، صحت الجمعة في غير مسجد كذلك ، يجامع الفرضية في كل .
٣ - ما تنعقد به الجماعة - اثنين أو ثلاثة ، فأكثر - تنعقد به الجمعة قياساً على ما تنعقد به الجماعة ، ففي صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعاً:( إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم ) قال أبو الحق الإشبيلي : وهذا يشمل الجمعة وغيرها.أ. ه .
والجمعة تنعقد بثلاثة لهذا الحديث وهو الأرجح في اشتراط هذا العدد .
واشتراط غير ذلك من العدد لم يثبت اشتراطه في الجمعة .
٤ - أن عدم اشتراط الجمعة في المسجد هو مذهب الشافعية، والظاهرية، ورواية عن الإمام أحمد ، ويدل على ذلك : أن أول جمعة جمعت في المدينة كانت تحت ظلال النخل يؤمهم أسعد بن زرارة ، وذلك قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم للمدينة .
فكانت في غير مسجد .
٥ - أن الجمهور لا يشترطون إذن الإمام لإقامة الجمعة ، لأنها من فروض الأعيان ، كالصلوات الخمس .
ولأن الحق في ذلك لله تعالى ، فلا يملك إسقاطه الآدمي .ولوجوب صلاة الجمعة لمن استطاع، ومنع السلطان من الاجتماع في المسجد خوفاً من الوباء، لا يمنع أهل البيت الواحد المجتمعين فيه من إقامتها إذا كانوا جمعاً ، لانتفاء علة المنع بعدم انتشار الوباء بينهم .
٥ - ولأن سقوط وجوب الجمعة عن المسافرين ، لا يعني سقوطها عن المقيمين .
٦ - ولأن عدم وجوب الجمعة على أهل البوادي ، لكونهم لا يجتمعون غالباً، أو لعدم وجوب من يخطب بهم ، أو نحو ذلك من الأعذار ، وعند عدم الاستطاعة على إقامة الجمعة ، أو كان في ذلك مشقة عليهم غير معتادة تسقط الجمعة للعذر ، وتتعين عليهم ظهراً ، وقيل : إن العلة : هي عدم الاستيطان ، وفي ذلك خلاف مشهور ، وهي علة مستنبطة، محتملة ، ومحتمل ما سبق، وههنا الاستيطان متوفر .
٧ - ولقوله تعالى :( يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ).
و( الذين ) في الآية : اسم موصول ، وهو من صيغ العموم ، فيشمل المقيم والمسافر ، والصحيح والمريض، والذكر والأنثى ، والصغير والكبير، والحر والعبد، والعاقل والمجنون، ويخص من الوجوب : الصغير ، والأنثى ، والمسافر ، والعبد، والمريض الذي يتضرر بحضوره من المرض، والمجنون ، بالأدلة التي دلت على عدم وجوبها عليهم ، فإن صلى الجمعة المسافر والمريض والأنثى ، والعبد ، صحت منهم ، وكون النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل الجمعة، لا يعني عدم صحتها لمن صلاها من المسافرين، لدخولهم في الآية ( يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة ).
علماً بأن الحنفية يشترطون الإمام الأعظم أو نائبه ، وهذا ليس بشرط لكون الجمعة من الفرائض المتعلقة بالأعيان - كما سبق -.
وأما المالكيه فيشترطون المسجد الجامع ،
وقد سبق أن بينا أن الأرض كلها مسجد وطهور كما في الحديث المتفق عليه .
وأما الشافعيه والحنابلة :يشترطون الأربعين من أهل وجوبها ، وهذا ليس بشرط لعدم الدليل على اشتراطها في الجمعة خاصة ، وقد أتم النبي صلى الله عليه وسلم الجمعة لما وصلت القافلة ولم يبق إلا العدد اليسير . وقد نص الشافعية على مشروعية صلاة الجمعة في البيوت .
ولا يرد على هذا مخالفة مقاصد الشريعة في إقامة الجمعة : فهذه حكمة وليست علة ، وقد سبق في القواعد : التفريق بين الحكمة والعلة .
وزعم أن الجمع والأعياد منوطة بالإمام الأعظم : فيه نظر ، فإن الجمع والأعياد من شعائر الإسلام يجب إقامتها عند القدرة والاستطاعة ما لم يكن المانع موجوداً كوباء ونحوه .
* وكون هذه العبادات لها هيئة معينة يجب إتباعها : لا يعني أنها تسقط عند القدرة عليها في غير المساجد إن أمكن . فكل عبادة لا بد أن تكن على هيئتها، وصلاة الاستقاء والكسوف المشروع أن تكون خارج المسجد، فإن صليت في المسجد جاز ، فكذا ههنا .
وكونها من شعائر الإسلام لا يعني وجوب إقامتها في المسجد ، بل تجوز في مسجد وغيره كالأذان .
* وتعقب الهيتمي - السبكي - في فتاويه: ((وسئل) - نفع الله به - هل يلزم المحبوسين إقامة الجمعة في الحبس؟
* (فأجاب) بقوله: القياس أنه يلزمهم ذلك إذا وجدت شروط وجوب الجمعة وشروط صحتها ولم يخش من إقامتها في الحبس فتنة لكن أفتى غير واحد بأنها لا تلزمهم مطلقا وقد بالغ السبكي فقال لا يجوز لهم إقامتها وإن جاز تعددها وهو بعيد جدا وإن أطال الكلام فيه في فتاويه والاستدلال لعدم الوجوب بأن الحبوس لم تزل مشحونة من العلماء من السلف والخلف ولم ينقل أن أحدا منهم أقامها في الحبس يمكن الخدش فيه بأنه لا يتم إلا إن ثبت أنه وجد في حبس أربعون شافعيا ممن يعتد بفعلهم ولم يقيموها مع توفر ما ذكرناه من الشروط وعدم خوف الفتنة فمن أثبت هذا اتضح له عدم الوجوب ومن لم يثبته يلزمه أن يقول بالوجوب. فإنه الذي يصرح به كلام أصحابنا.
* ولقد كان البويطي وهو في قيوده في الحبس يغتسل ويلبس نظيف ثيابه ويأتي إلى باب السجن فيشاور السجان في صلاة الجمعة فيمنعه فيرجع ويقول الآن سقطت الجمعة عني فتأمل محافظة هذا الإمام الذي هو أجل أصحاب الشافعي - رضي الله عنه - ولذا استخلفه في حلقته وأخبره بهذه المحنة التي وقعت له بقوله له: ستموت في قيودك على صلاة الجمعة، مع ما هو عليه تجده كالصريح في أنه لو أمكنه إقامتها في الحبس لفعلها فيه فإن قلت إن أقاموها قبل جمعة البلد أفسدوها على أهلها أو بعدها لم تنعقد لهم. قلت ممنوع فيهما بل عذر الحبس لا يبعد أنه يجوز التعدد فيفعلونها متى شاءوا قبل أو بعد ولا حرج عليهم حينئذ.
*
* (وسئل) - أعاد الله علينا من بركاته - عن بيت واحد فيه أربعون متوطنون بصفة من تلزمهم الجمعة فهل يلزمهم إقامتها أو لا؟
* (فأجاب) بقوله: أفتى جمع يمنيون بعدم الوجوب أخذا من قولهم: الشرط أن تقام بين الأبنية ولا أبنية هنا وقياسا على أهل الخيام، وأفتى آخرون بوجوبها عليهم وهذا هو الأوجه ولا دليل للأولين في تعبير الأصحاب بالأبنية لأنه للغالب ولا في القياس على أهل الخيام لأن من شأن أربابها النجعة وعدم توطن محل واحد بخلاف أهل البناء الواحد فإن من شأنهم توطن بنائهم وعدم النقلة منه وشتان ما بين هذين فزعم بعضهم أن أهل البناء الواحد أولى بعدم الوجوب من أهل الخيام غلط واضح إذ لا مساواة بوجه فضلا عن الأولوية.)
*
* و قال ابن مفلح في حواشي الفروع (6) "لو اجتمع في السجن أربعون، هل يصلون جمعة، لأنهم في حكم المستوطنين، والصلاة في المسجد ليست شرطًا، والانفراد عن الجمع يجوز للحاجة؛ ويحتمل أن يصلوا ظهرًا لعدم الاستيطان، أشبه ما لو حبسوا بخيمة، أو صحراء في بعد عن المِصر .أ.ه.
@ والجواب عن هذه الإشكالات :
١- المنقول المتواتر أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يُجَمّع في أسفاره للغزو والعمرة والحج قط وقد نزل تبوك أكثر من عشرين يوما ونزل مكة وغيرها .
فالجواب : أن صلاة الجمعة للمسافر ليست بواجبة، بل رخصة ، ومسألتنا ليست في المسافر ومن في حكمه من أهل البوادي.
٢- ثبت أن أباهريرة لما بعثه أمير المؤمنين عمر الى أهل البحرين بعث لعمر يستأذنه أن يقيم فيهم الجمعة فأذن له .
والجواب : أن الاستئذان من باب التأكيد ، أو أن هذا من باب تحقيق المناط ، في كونهم ممن تجب عليهم الجمعة أم لا، وعلى فرض ذلك فإن قول الصحابي ليس بحجة - كما بيناه بأدلته في القواعد -.
٣- ثبت عن أمير المؤمنين عليّ قوله : لا جُمعة إلا في مصر جامع
ثبت عنه من طريقين عند عبدالرزاق وابن أبي شيبة.
والجواب عنه : أنه نفي لوجوب الجمعة عن المسافر ومن في حكمه خارج الأمصار ، ومسألتنا في الأمصار ، وعلى فرض عدم ذلك فهو اجتهاد من الصحابي الجليل ، قد يصيب في اجتهاده وقد يخطيء ، وقوله ليس بحجة .
٤- ثبت ان معاذ بن جبل كان يخطب فقال : يا أهل قردا يا أهل دامرة "قرى حول دمشق على اربعة فراسخ": إن الجمعة تلزمكم، ولا جمعة إلا معنا" أخرجه عبد الرزاق وابن أبي شيبة .
والشاهد منه قوله وهو من أفقه الصحابة : لا جمعة إلا معنا
وكذا ثبت عن عبدالله بن عمرو
ولا نعلم لهؤلاء الصحابة مخالفا، وفيهم الخلفاء الراشدون
والجواب : أن هذا في تعدد الجمع لأهل البلد ، وهذا لا يكون إلا في حال الاضطرار، وليست هي مسألتنا ، فليتنبه .
٥ - وهو قول عطاء والزهري وابن جريج وابو بكر بن حزم وعمرو بن دينار وعمر بن عبد العزيز في الأصح عنه
وهو قول مالك قال في الموطأ:
إن جمّع الإمام وهو مسافر بقرية لا تجب فيها الجمعة فلا جمعة له ولا لأهل تلك القرية ولا لمن جمّع معهم من غيرهم ١٠٧/١
* فمالكا ينص على ذلك في حق الإمام فكيف غيره؟!*
وفي المغني للشيخ الموفق ١٨٢/٢: وقال ابو حنيفة ومالك والشافعي لا تجوز الجمعة في بلد واحد في أكثر من موضع وحد لان النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يجمع إلا في مسجد واحد وكذلك الخلفاء بعده قال عبدالله بن عمر : لا تقام الجمعة إلا في المسجد الأكبر الذي يصلي فيه الإمام. اه
ومن هنا أخذ أحمد إذن الإمام في إيقاع جمعة أخرى عند اتساع المدينة
فكيف يُقال بعد هذا تُصلى في البيوت وفي أي مكان متى اجتمع ثلاثة فأكثر؟!
ومن ثم نقل ابن قدامة الإجماع على عدم جواز إحداث جمعة بغير جمعة الإمام ونائبه
فقال: فأما مع عدم الحاجة فلا يجوز جمعة في أكثر من جامع واحد لا نعلم في هذا مخالفا.
وأما ما روي عن أنس ابن مالك
كما علقه البخاري : وكان أنس اذا كان في قصره بالزاوية وهي على فرسخين من البصرة أحيانا يُجمّع وأحيانا لا يجمع
وبوّب عليه البخاري : باب من أين تؤتى الجمعة .
فمعناه الواضح أن أنسا ربما عزم فقطع الفرسخين ليشهد الجمعة بالبصرة وربما لا يشهدها ويترخص لبعد المسافة
كما دلت عليه رواية الأثر عند ابن أبي شيبة
وكذا ما افتى به الزهري رزيق بن حكيم وكان أميرا على أيلة وله بها رباع وموالي فأمره بإقامة الجمعة واحتج بحديث : الأمير راع وهو مسؤول عن رعيته .
فهذا كله في تعدد الجمعة ، وليست هي عين مسألتنا فليتنبه ، حتى لا يحصل الخلط بين مسألتين .
وإليك أقوال العلماء رحمهم الله تعالى - في حكم صلاة الجمعة في البيوت لعدم القدرة على إقامتها في المساجد كوباء ونحوه -.
لتوضيح ذلك لا بد أولاً من بيان الشروط الواجب توفرها لانعقاد الجمعة ، وهي متفاوتة بين الفقهاء ؛ وذلك من نواحٍ عدة :
الأولى : إذن ولي الأمر لإقامة الجمعة : هو شرط عند الحنفية .
وجمهور الفقهاء ( المالكية والشافعية والحنابلة ) على عدم اشتراط إذن ولي الأمر .
الثانية : اشتراط اكتمال النصاب ( العدد ) لانعقاد الجمعة : وهذا فيه نزاع كبير :
فالشافعية والحنابلة يشترطون : أربعين رجلاً ، والمالكية : اثني عشر رجلاً ، وأبو حنيفة ومحمد : ثلاثة سوى الإمام ، وأبو يوسف : اثنين سوى الإمام . وهذا الأخير قول الثوري والحسن البصري وأبي ثور أيضاً .
وذهب إبراهيم النخعي والحسن بن حيي : إلى أنه يكفي لإقامة الجمعة واحد مع الإمام . وهو رأي ابن حزم وابن المنذر في عدم اشتراط العدد مطلقاً .
الثالثة : اشتراط المسجد لإقامة الجمعة : وهو شرط عند المالكية .
وجمهور الفقهاء ( الحنفية والشافعية والحنابلة ) على أن المسجد ليس شرطاً لإقامة الجمعة . ولكنهم يشترطون عمومية المكان .
وعلى هذا فقد اختلف أهل العلم في مشروعية صلاة الجمعة في البيوت والسجون ونحوها إذا توافر أقل العدد المشروط . وذلك على قولين :
القول الأول : أنه يشرع لهم صلاة الجمعة في البيوت والسجون ونحوها .
وهو مذهب بعض الحنابلة وبعض الشافعية :
( لكن الشافعية اشترطوا العدد أربعين رجلاً ، على أصل مذهبهم )
وهو مذهب ابن حزم الظاهري ( ولم يشترط عدداً بل يكفي واحد مع الإمام ) .
قال القاضي أبو يعلى الحنبلي في التعليق الكبير : وقد أخذ أحمد رحمه الله بظاهر هذا الحديث في الجمعة ( أي حديث : يكون عليكم أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها ) ، فقال وقد سُئل : إذا أخَّروا صلاة يوم الجمعة ؟ فقال : ( يصليها لوقتها ، ويصليها مع الإمام ) .
وقال ابن حزم في المحلَّى ( ويصليها المسجونون والمختفون ركعتين في جماعة بخطبة كسائر الناس )
وقال ابن حزم أيضاً في المحلى : ( ولو صلاها الرجل المعذور بامرأته صلاها ركعتين ، وكذلك لو صلاها النساء في جماعة ) .
وقال الإمام ابن حجر الهيتمي الشافعي في الفتاوى الفقهية الكبرى لما سُئل : هل يلزم المحبوسين إقامة الجمعة في الحبس ؟
فأجاب : ( القياس أنه يلزمهم ذلك إذا وجدت شروط وجوب الجمعة وشروط صحتها ولم يخش من إقامتها في الحبس فتنة )
وجاء فتاوى اللجنة الدائمة : ( إذا أقيمت الجمعة داخل السجن أو في غيره ، واستطاع أداءها فتجب عليه ) واستدلوا بدليلين :
الأول : عمومات النصوص الآمرة بإقامة الجمعة ، ولم تشترط المساجد ، ولم تستثن البيوت ، ونحوها .
الثاني : القياس على الصلوات الخمس جماعة في البيت للحاجة ؛ فإذا جازت الفرائض الخمس في البيوت للحاجة فالجمعة مثلها .
القول الثاني : أن صلاة الجمعة لا تجوز ولا تُشرع في البيوت والسجون ونحوها :
وهذا مذهب جماهير الفقهاء في المذاهب الأربعة وغيرها .
وإنما اختلف هل تصلى الظهر بدلاً عن الجمعة جماعة أم فُرادى على قولين : أصحهما : أن تصلى جماعة .
قال السبكي الشافعي في فتاواه : ( لا يجوز لهم إقامة الجمعة في السجن بل يصلون ظهراً لأنه لم يبلغنا أن أحداً من السلف فعل ذلك مع أنه كان في السجون أقوام من العلماء المتورعين والغالب أنه يجتمع معهم أربعون وأكثر موصوفون ).
وقد اعترض ابن حجر الهيتمي الشافعي في الفتاوى الكبرى على كلام السبكي بقوله : ( وقد بالغ السبكي فقال : ( لا يجوز لهم إقامتها وإن جاز تعددها ) وهو بعيد جداً وإن أطال الكلام فيه في فتاويه والاستدلال لعدم الوجوب بأن الحبوس لم تزل مشحونة من العلماء من السلف والخلف ولم ينقل أن أحداً منهم أقامها في الحبس يمكن الخدش فيه بأنه لا يتم إلا إن ثبت أنه وجد في حبس أربعون شافعياً ممن يعتد بفعلهم ولم يقيموها مع توفر ما ذكرناه من الشروط وعدم خوف الفتنة فمن أثبت هذا اتضح له عدم الوجوب ومن لم يثبته يلزمه أن يقول بالوجوب ، فإنه الذي يصرح به كلام أصحابنا ) .
وقال ابن رجب الحنبلي : ( لا تقام الجمعة في السجن ، وإن كان فيه أربعون ، ولا يعلم في ذلك خلاف بين العلماء ، وممن قاله : الحسن ، وابن سيرين ، والنخعي ، والثوري ، ومالك ، وأحمد ، وإسحاق ، وغيرهم ) .
وعلى هذا فإن هناك قولاً بجواز صلاة الجمعة في البيوت ، فمن أراد أن بصلي الجمعة في بيته ومع أهله فله ذلك ؛ تقليداً لهؤلاء الأئمة المذكورين والقائلين بجواز ذلك ، وهو رأي معتبر في مذهبين معتبرين ( الشافعية والحنابلة ) بل أيده الإمام ابن حجر الهيتمي وهو إمام المذهب الشافعي . كما أنه مذهب الظاهرية .
تنبيه : الصلاة خلف المذياع والنقل المباشر لخطيب الجمعة والصلاة خلفه تصح على الأرجح ، ولو مع اتساع المسجد وعدم اتصال الصفوف، إذا كانوا في وقت واحد ، لأن الغاية هي امكان الاقتداء، وقد أمكن وفي البخاري : صلى النبي صلى الله عليه وسلم في بيته وصلوا خلفه وبينهما جدار قصير ). ، هو في بيته وهم خارج البيت.
وذلك لتمكنهم من الاقتداء به صلوات ربي وسلامه عليه .
والله تعالى أعلم .
كتبه / محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق