حكم الصلاة خلف إمام من خلال التلفاز أو الإذاعة::
—————-
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين :
القول الأول : المنع من ذلك وعدم الجواز .
ومنهم من يشترط : كون المتابعة بين الإمام والمأموم في مسجد واحد .
والجواب عنه : أنه ثبت في صحيح البخاري أن النبي صلى الله هليه وسلم النافلة في حجرته، وصلى الناس خلفه، وبينهما جدار قصير .
فالنبي صلى الله عليه وسلم صلى في حجرته وهم خارج الحجرة ، مما يدل على أنه لايشترط اتحاد المكان بين الإمام والمأموم إذا كان الوقت واحداً.
ومنهم من يشترط اتصال الصفوف .
والجواب عنه : أن اشتراط ذلك يحتاج إلى دليل يدل على الشرطية، والعلة هي إمكان المتابعة مع اتحاد الوقت، وهذا يكون باتصال الصفوف وبعدم اتصالها .
* فإن قيل : إن ذلك يؤدي إلى تعطيل المساجد، حيث تنتفي الحكمة من صلاة الجمعة والجماعة وهو الاجتماع، في المسجد للجمعة والجماعة .
والجواب عنه :
١ -أن هناك فرق بين العلة والحكمة - والتعليل : يكون بالعلة لا بالحكمة إلا إذا توفرت شروط العلة في الحكمة - وقد سبق بيان ذلك في القواعد .
والقاعدة : المعلل بالمظان لا يتخلف بتخلف خكمته - وقد سبقت أيضاً في القواعدالفقهية والأصولية على الشبكة العنكوبتيه النت -.
وهذه حكمة وليست علة .
٢ -أن العلة في وجوب الجماعة : هي الجماعة لا المسجد ، وفي صحيح مسلم ( فأحرق على أناس لا يشهدون الجماعة بيوتهم ).
٣ - إن كون العلة هي الجماعة لا يلزم منه تعطيل المساجد ، كما لا يلزم من تعدد المساجد تعطيل الأول منها .
* فإن قيل : يحتمل انقطاع الكهرباء أو البث في أثناء الصلاة .
فالجواب :
١ - يمكن أن يكملها منفرداً عند تعذر المتابعة، كما هو الشأن لو كان خلف الإمام مباشرة، وتعذرت متابعته أو متابعة من ناب عنه أو أنابه عنه .
٢ - العبرة بالمنظور لا بالمنتظر - سبقت في القواعد -.
والمنظور عدم الانقطاع .
٣ - أن الأعم الأغلب عدم الانقطاع في البث أو الكهرباء، والقاعدة : العبرة بالأعم الأغلب لا بالقليل والنادر .
* فإن قيل : العلة في ذلك هي اجتماع الناس في مكان واحد ، وهذا لا يتحقق في الصلاة خلف المذياع.
*
فالجواب : أن هذه حكمة وليست علة، ولهذا لو اجتمع الناس في مكان واحد وصلوا فرادى ، لم يتحقق أنهم صلوا جماعة مع كونهم في مكان واحد.
ولو كانت الجماعة تتحقق بالبقعة لما احتجنا لإمام بل اجتمعنا في بقعة وصلى كل واحد على انفراد، وهذا غير صحيح .
القول الثاني : جواز الصلاة خلف إمام يمكن متابعته في الوقت من خلال التلفاز أو المذياع .
فقد قال مالك في المدونة : 175/1
:( ومن صلى في دور أمام القبلة بصلاة الإمام ، وهم يسمعون تكبير الإمام فيصلون بصلاته ، ويركعون بركوعه، ويسجدون بسجوده ، فصلاتهم تامة ولو كانوا بين يدي الإمام ).
وقال أيضاً مالك كما جاء في المدونة ١/ ١٧١: " لا بأس بالنهر الصغير أو الطريق تكون بين الإمام والماموم"*
وذلك لأن العلة : أن يكون المأموم عالماً بصلاة إمامه لكي يتمكن من متابعته،
ولا يشترط كون المأموم خلف الإمام، ولا اتصال الصفوف، ولا كونهما في مسجد واحد . وهو قول مالك والشافعي .
- مع العلم أن مذهب المالكية والشافعية ، يجيزون متابعة الإمام في المسافة القريبة لا البعيدة ، على خلاف بينهم في مقدار تلك المسافة ، أوصلها الشافعية إلى ثلاثمائة ذراع تقريباً -.
- ومن المقرر عند الفقهاء : أن هناك فرق بين قول الأمام ، وبين مذهبه الذي استقر عمل اتباعه عليه .
وفي صحيح البخاري : أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في حجرته ، فصلى الناس بصلاته، وبينهما جدار قصير .
كما سبق .
ويحتمل : أن الحجرة : هو ما احتجر به النبي صلى الله عليه وسلم من الحصير في المسجد، ويحتمل : أن المراد حجرته ، كما في صحيح مسلم من حديث أنس : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في رمضان ، فجئت فقمت إلى جنبه . فجاء رجل فقام ، حتى كنا رهطا ، فلما أحس بنا تجوز ، ثم دخل رحله ). والرحل : المنزل .
وهذا يدل على أنه كان في رمضان ودخل منزله .
وسواء كان هذا أو ذاك ، فهو يدل على مشروعية الاقتداء وبينهما - الإمام والمأموم - حاجز .
قال الحافظ : ( ظاهره أن المراد حجرة بيته ، ويدل عليه ذكر جدار الحجرة في رواية البخاري من طريق عبدة عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة قالت " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي من الليل في حجرته وجدار الحجرة قصير " الحديث وأوضح منه رواية حماد بن زيد عن يحيى عند أبي نعيم بلفظ " كان يصلي في حجرة من حجر أزواجه " ويحتمل أن المراد الحجرة التي كان احتجرها في المسجد بالحصير كما في رواية عند الشيخين من حديث أبي سلمة عن عائشة ، وكذا حديث زيد بن ثابت عند الشيخين . ولأبي داود ومحمد بن نصر عن أبي سلمة عن عائشة أنها هي التي نصبت له الحصير على باب بيتها فإما أن يحمل على التعدد أو على المجاز في الجدار وفي نسبته الحجرة إليها ).
ولأن الأصل في الأفعال الصادرة من أهلها الصحة ، والقول ببطلانها يحتاج إلى دليل يدل عليه .
ولا يعارض هذا : أن العبادات توقيفية ، لأن العبادة وهي الصلاة ثبتت فيها المتابعة، والمسافة بين الإمام والمأموم لم تحد بحد، وقد جاء عن أبي هريرة أنه تابع إمامه وهو على ظهر المسجد.
وبعد هذا العرض يتبين رجحان القول بالجواز مع مراعاة ما يرد في التنبيهات .
تنبيهات :
١- التحقق من توافق دخول الوقت الشرعي للصلاة في المكان الذي به المأموم مع المكان الذي به الإمام المؤتم به.
٢-أن يكون نقل الصوت مباشرا بحيث لايكون هناك فرق وقت من الناحية التقنية بين الصوت الفعلي والصوت المنقول يؤثر على متابعة المأموم للإمام في تنقلاته أثناء الصلاة.
٣ - لو أراد المسلم أن يحتاط لدينه ويخرج من الخلاف في صلاة الفرض خاصة بحيث يصليها الشخص جماعة مع أهل بيته أو منفردا ويصلي النفل من صلاة التراويح وغيرها من النوافل ، مع المذياع ، فلا بأس. ولا يخفى أن أحكام النافلة مخففة عن أحكام الفرض مثل سقوط ركن القيام مع القدرة وشرط استقبال القبلة في صلاة النافلة، ونحو ذلك .
مع أن القاعدة : ما ثبت في الفرض ثبت في النفل ، وما ثبت في النفل ثبت في الفرض إلا ما دل الدليل على تخصيصه .
٤ - ينبه في عرض المسألة السابقة على نقاط :
أ - فرق بين نسبة القول للإمام ، ونسبة القول للمذهب.
ب. - هل يجوز إحداث قول ثالث في المسألة، والخلاف فيها مشهور على ثلاثة أقوال - وقد سبق بيان الراجح وتقريره في القواعد -.
ج. - الضوابط والقواعد : هي جواب عن إشكال مصدر ب قول : فإن قيل .
د. - العبادات توقيفية ، في ذات العبادة ، وأما تقدير المسافة بين الإمام والمأموم ، فهو محل اجتهاد .
ه - إن القول بالمتابعة - بين الإمام والمأموم - لمن بعد ، نص عليه الإمام مالك.
والله تعالى أعلم .
كتبه / محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق