وقفات مع فضيلة الشيخ حاتم العوني في مسألة الصلاة خلف المذياع والتلفاز :
———-
الوقفات كثيرة في كلام فضيلته ، ولكن لعل الاختصار على أهمها يغني عن أكثرها :
الوقفة الأولى في قوله : (. فإن القائلين بجواز الجماعة خلف المذياع أو التليفزيون ينطلقون : إما من نصوص المذاهب
الأربعة ، أو من الأدلة بزعمهم ، أو من الاثنين كليهما .......).
والجواب عنه :
١ - أن نصوص المذاهب يستدل لها ولا يستدل بها، وليست من أدلة الفقه الإجمالية .
٢ - أن القاعدة الأصولية : هل يجوز إحداث قول جديد في المسألة ، ثلاثة أقوال :
يجوز ما لم يخالف إجماعاً - وهو الأقرب - ، لا يجوز مطلقاً ، يجوز إذا لم يخرج عن مضمون الأقوال السابقة في المسألة .
٣ - إن القول بجواز الصلاة خلف المذياع والتلفاز ، ليس بدعاً من القول، بل قيل به عند ظهور المذياع والتلفاز ، وقيل قبله بما هو بمعناه كما هي نصوص مالك في المدونة - كما سيأتي .
٤ - القاعدة : إن عدم النقل ليس نقلاً للعدم .
الوقفة الثانية في قوله ( أما القائلون بأن نصوص المذاهب تدل على جواز الصلاة خلف المذياع أو التليفزيون :
فلا يمكنهم إثبات ذلك أصلا ؛ لأن أئمة المذاهب لم يكن يخطر على بالهم وجود ما يمكن به نقل الصوت أو صورة الصلاة من بلد إلى بلد آخر تجوز بينهما رخص السفر ، كما هو حاصل بالمذياع والتليفزيون ، فادعاء أن لأئمة المذاهب (ولأتباعهم ممن جاء بعدهم قبل ظهور المذياع والتليفزيون) نصو ًصا تدل على جواز الائتمام بما ينقله التليفزيون والمذياع ادعاء كاذب ؛ لأننا
نقطع أن ذلك لم يكن حاضرا في أذهانهم ، ولا كان يوجد ما ُيشبهه أو يقاربه في واقعهم .....)
فالجواب :
١ - كونك لم تفهم ذلك من كلامهم ، لا يعني أنه لا يفهمه غيرك ، ( وفوق كل ذي علم عليم ).
٢ - كونك تدعي أنها مسألة نازلة ، فعند حدوثها حصل الخلاف في حكم الصلاة خلف المذياع والتلفاز .
٣ - على فرض أنها ليست نازلة ، وقع الخلاف فيها ولم يحصل الإجماع فيها حتى ينكر على من خالف .
الوقفة الثالثة قوله ( أما شرط المخِّرج : فهو تمكنه من الاجتهاد في المذهب ، وبلوغه هذه الدرجة ، ولو في هذه
المسألة الجزئية ، على رأي من يصحح تجُّزأ الاجتهاد ......).
١ - هل فضيلتكم اعرف بهذا التخريج أم الذين تخصصوا في الفقه وخصوصاً من كانوا من أئمة مذهب المالكية في هذا العصر .
٢ - إن التخصص في العلوم الشرعية يقتضي أن يتكلم المتخصص في فنه ، وأن اتهام من عرفوا بالحذق والمهارة في علومهم بالجمود وعدم الأهلية من الظن السيء الواقع في غير محله .
الوقفة الرابعة في قوله :
( بعض من وقفت على كلامه في هذه المسألة ظنها تتعلق بأن تصحيح الجماعة عند المذاهب
مرتبطة عندهم : إما بمسألة اتصال الصفوف وتواليها دون قاطع من شارع أو واٍد ، وإما أن آخرين ظنوها مرتبطة بسماع الصوت ، وآخرين برؤية الإمام ، وآخرين جعلوها متعلقة برؤية الصفوف ، وبناء على ذلك أجاز هؤلاء الصلاة خلف المذياع والتليفزيون ؛ لأنهم قسموا هذه المآخذ بين مأخذ لا يصح دليله ، أو الدليل ينقضه ، وبين مأخذ متحقق في الصلاة خلف المذياع
والتليفزيون بالرؤية أو السماع أو بأحدهما .
ولم يدرك المجيزون أنهم :
أولا : لم يأتوا بدليل (ولا دليل) ُيثبت أن مأخذ تخريجهم على المذهب هو مأخذ المذهب ، خاصة مع قطعنا بأن صورة الصلاة خلف المذياع والتليفزيون لا تدخل ضمن تقرير الإمام صاحب المذهب قطعا ؛ لأنها صورة لم يكن لها أن تخطر على باله أصلا . مما كان يوجب عليهم أن لا يجزموا بدلالة المذاهب عليها أولا ، وأن يتريثوا قبل ادعاء التخريج على المذهب ثانيا ،
حتى يتثبتوا من صحة المأخذ الذي يبنون عليه صحة التخريج .
وثانيا : أن مآخذهم التي زعموها مآخذ الأئمة غير صحيحة ، فالأئمة الذين اشترطوا اتصال الصفوف والذين لم يشترطوها لم يكن مأخذهم هو ما تصوره أصحاب هذا المذهب الشاذ الذي يجيز الائتمام بالتليفزيون والمذياع ، وإنما كانوا يحاولون وضع ضوابط لتحديد ما ُيدخل المصلي في مسمى الجماعة التي يصلي معها :
لأن الفقهاءكانوايعلمون أن الصفوف قدتخرج عن حدودالمسجد،لكثرةالمصلين وامتلاء المسجد : فلا يمكن أن تنحصر الجماعة في المسجد ، ولصحة الجماعة في البيوت والبراري (في غير مسجد) أيًضا . لذلك وجب أن يكون الضابط ليس هو الصلاة
داخل المسجد .. قطعا .
- ولأنهم كانوايعلمون:أن سماع الصوت ليس هوضابط جماعةالصلاة؛لأن الأصم لا يسمع ، ويصح ائتمامه بجماعة المسجد ؛ ولأن الجوامع الكبيرة قد لا يسمع أصحاب الصفوف المتأخرة الإما َم قبل وجود مكبرات الصوت ، لكبر المسجد ، أو لطروء طارئ من ريح شديدة وأمطار تبدد صوت الإمام ، أو لطروء علة في صوت الإمام تمنعه من
رفع صوته ، وجماعة هؤلاء (وحالات أخرى لمثل حالتهم في عدم السماع) جميعا جماعة صحيحة ، رغم عدم سماعهم صوت الإمام . مما يبين أن سماع الصوت ليس هو ضابط صحة الجماعة ، وليس هو مأخذ الأئمة في بيان ضابط الجماعة .
- ولأنهم كانوايعلمون أن رؤيةالإمام أوالصفوف ليست بإطلاقهاهي ضابط جماعة الصلاة ؛ لأن الأعمى يصح التحاقه بالجماعة وهو لا يراها . فليست الرؤية هي ضابط
صحة الالتحاق بالجماعة .
فإن لم يكن لا هذا ولا ذاك هو ضابط جماعة الصلاة ، فقد سقط استدلال المجيزين بالمذاهب
سقوطا كاملا ؛ لأنهم اعتمدوا على مجرد إمكان المتابعة بالرؤية والسماع أو بالسماع ، وقد تبين أن الرؤية والسماع ليسا هما فقط ضابط الجماعة عند أئمة المذاهب .
وكان على هؤلاء أن يتثبتوا من مأخذ الأئمة وضابطهم في تحرير جماعة الصلاة : ما الذي
ُيدخل المصلي فيها ؟ وما الذي لا ُيدخله فيها ؟ )
والجواب عنه :
١ - ان الضابط : هو العلم بحال الإمام حتى يتمكن المأموم من متابعته .
وما ذكره أئمة المذاهب أنما هو من باب التمثيل
٢ - أن التفسر للمتابعة يكون بالتمثيل ، والقاعدة : ما خرج مخرج التمثيل لا مفهوم له .
٣ - أن هناك فرق بين باب المتابعة ، وبين باب الجماعة .
٤ - أن كلام الآدميين لا مفهوم له .
الوقفة الخامسة في قوله :( والمأخذ ظاهر من الدلالة اللغوية للجماعة والمعنى العرفي لها في صلاة الجماعة التي كان يصليها النبي صلى الله عليه وسلم ، ويجب حمل معنى الجماعة على ذلك المعنى ؛ لأنه هو المعنى المراد عندما شرع الشارع صلاة الجماعة ، وهو المعنى الذي بّلغه النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه : وهو تجمع الناس للصلاة في مكان واحد ؛ لأنه هو حقيقة معنى الاجتماع والتجمع والجماعة في الأعمال البدنية لغًة و ُعرفا، ومن نسب غير ذلك إلى معنى الجماعة في الصلاة في زمن النبوة فقد أوشك أن يكون كاذبا عليه صلى الله عليه وسلم ! وعلى كل الفقهاء من الصحابة والتابعين والأئمة المتبوعين على خلاف فهمه لجماعةالصلاة.
وإنما ذهب الفقهاء أو بعضهم لاشتراط شروط في الصفوف أو غيرها ، لضبط ما يدخل في ذلك المعنى اللغوي والعرفي لدلالة العبارة التي جاءت في الشرع .....)
والجواب عنه :
١ - أن الاجتماع في البقعة الواحدة ليست هي العلة في الجماعة، بدليل لو اجتمعوا في بقعة واحدة أو في مسجد واحد ثم صلوا فرادى لم تتحقق بذلك صلاة الجماعة.
٢ - أن هناك فرق بين العلة والحكمة ، وأن الحكمة لا تكون علة إلا بشروط العلة .
٣ - أن المتابعة عبر البث المباشر ، وإن لم يكن اجتماعاً في مكان واحد ، فهو بمعناه، والشريعة لا تفرق بين متماثلين ، ولا تجمع بين مختلفين .
٤ - أن العموم الشمولي يقتضيه، وذلك أن من يرى الإمام ويصلي معه عبر الشاشات والبث المباشر في الوقت الواحد لتك الصلاة هو أولى في المتابعة ومعرفة حال إمامه ممن لا يسمع إلا صوت المسمع بالتكبير ولا يسمع له قراءة ولا يراه لما بينهما من حاجز، كمن يصلي على ظهر المسجد .
*
الوقفة السادسة في قوله :
( وأما المحتجون بالأدلة على صحة الائتمام خلف المذياع والتليفزيون : فهم أبعد ممن سبقوا؛ لأن الأدلة لم تذكر صورة الائتمام التي يحتجون لها ، وهي صورة ائتما ٍم مع عدم حصول أي معنى للاجتماع الذي كان مفهوما من الاجتماع في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ؛ وإنما ذكرت جماعة واحدة يفرق بينها جدار أو ستر ؛ لكنهم في مكان واحد . ولكون أصحاب هذا القول قد نزلوا كلام الفقهاء على غير مأخذهم ، ظنوا هذا الحديث ونحوه من الآثار التي تذكر صلاة الناس على أسطح بيوتهم دليلا لهم ، ولم ينتبهوا أن هذا الحديث وغيره كلها تذكر اجتماع الناس في موضع
واحد ، يرون الصفوف أو يسمعون الإمام بهذا الاجتماع ، لا بنقل مباشر من بلد إلى بلد !
كحديث صحيح البخاري ، وهو حديث أم المؤمنين عائشة ، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل في حجرته، وجدار الحجرة قصير، فرأى الناس شخص
النبي صلى الله عليه وسلم، فقام أناس يصلون بصلاته، فأصبحوا فتحدثوا بذلك، فقام الليلة الثانية، فقام معه أناس يصلون بصلاته، صنعوا ذلك ليلتين - أو ثلاثا - حتى إذا كان بعد ذلك، جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يخرج، فلما أصبح ذكر ذلك الناس فقال: «إني خشيت
أن تكتب عليكم صلاة الليل».
فمع الاختلاف في المراد بالحجرة ، وهل هي الخلوة التي كان ينصبها أمهات المؤمنين من
حصير داخل المسجد النبوي لاعتكاف النبي صلى الله عليه وسلم؟ أو غيرها ؟ ففي الرواية نفسها ما يبين أن الجدار كان قصيرا لا يمنع من رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ، وبها تحقق كونهم مجتمعين في مكان واحد .
وفي البخاري من حديث حديث زيد بن ثابت: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اتخذ حجرة - قال: حسبت أنه قال من حصير - في رمضان، فصلى فيها ليالي، فصلى بصلاته ناس من أصحابه، فلما علم بهم جعل يقعد، فخرج إليهم فقال: «قد عرفت الذي رأيت من صنيعكم،
فصلوا أيها الناس في بيوتكم، فإن أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة»
على أن الصحيح هو أن عائشة تقصد بالحجرة ما ذكرته في حديثها الآخر في صحيح البخاري : «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له حصير يبسطه بالنهار ، ويحتجره بالليل ، فثاب إليه ناس ، فصلوا وراءه». ونسبته إلى أمهات المؤمنين ؛ إما أنه خطأ من بعض الرواة ، أو أن المقصودبنسبته إليهن؛لأنهن كن هن من ينصبن تلك ا لحجر من الحصيرداخل مسجده صلى الله عليه وسلم، أو كانت تلك الحجر من الحصير اللاتي نصبها أمهات المؤمنين داخل المسجد ، كما حديث عائشة
- في الصحيح - «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذكر أن يعتكف العشر الأواخر من رمضان ، فاستأذنته عائشة، فأذن لها، وسألت حفصة عائشة أن تستأذن لها، ففعلت، فلما رأت ذلك زينب ابنة جحش أمرت ببناء، فبني لها قالت: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا
صلى انصرف إلى بنائه، فبصر بالأبنية، فقال: «ما هذا؟» قالوا: بناء عائشة، وحفصة، وزينب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألبر أردن بهذا، ما أنا بمعتكف» ...».
وكل هذا يبين أن هذه الحجر هي حجر من حصير في المسجد .
وكل من عرف الحجر النبوية يعلم أنه لا يمكن أن تكون هي المقصودة ، فإنها كانت حجر مسقوفة،ولميكنيمكنلمنكانفيالمسجدأنيرىمنيصليفيها؛إلاإن ُفتحبابهاعلىالمسجد، فليس تمكن الرؤية بسبب قصر الجدار ، كما جاء في الحديث ، مما يبين أن المقصود بقصر الجدار
جدار تلك الخلوة التي كانت ُتقام للنبي صلى الله عليه وسلم لمعتكفه من حصير في مسجده الشريف صلى الله عليه وسلم .
ولو افترضنا أنه صلى في حجرة عائشة التي هي بيت النبي صلى الله عليه وسلم : فهي في ملاصقتها ٍ
للمسجد ، وفي انفتاح باب منها إلى المسجد مباشرة ، ما يجعل الاجتماع متحققا بالائتمام بها ، مع إمكان اتصال الصفوف من حجرتها إلى مسجده صلى الله عليه وسلم من خلال هذا الباب .
وكل ذلك يبين أنه لا دليل في هذا الحديث من قريب أو من بعيد على دعوى أن صلاة الرجل في بلد مؤتما بمن يصلي في بلد آخر خلف المذياع أو التليفزيون يسمى جماعة ؟! أي جماعة لغوية أو عر ًفا شرعيا لهذه الجماعة التي ما كانت متخيلة عند من خوطبوا بشرعية الجماعة والحث
عليها .)
والجواب :
١ - نعم يحتمل : أن الحجرة : هو ما احتجر به النبي صلى الله عليه وسلم من الحصير في المسجد، ويحتمل : أن المراد حجرته ، كما في صحيح مسلم من حديث أنس : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في رمضان ، فجئت فقمت إلى جنبه . فجاء رجل فقام ، حتى كنا رهطا ، فلما أحس بنا تجوز ، ثم دخل رحله ). والرحل : المنزل .
وهذا يدل على أنه كان في رمضان ودخل منزله .
وسواء كان هذا أو ذاك ، فهو يدل على مشروعية الاقتداء وبينهما - الإمام والمأموم - حاجز .
قال الحافظ : ( ظاهره أن المراد حجرة بيته ، ويدل عليه ذكر جدار الحجرة في رواية البخاري من طريق عبدة عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة قالت " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي من الليل في حجرته وجدار الحجرة قصير " الحديث وأوضح منه رواية حماد بن زيد عن يحيى عند أبي نعيم بلفظ " كان يصلي في حجرة من حجر أزواجه " ويحتمل أن المراد الحجرة التي كان احتجرها في المسجد بالحصير كما في رواية عند الشيخين من حديث أبي سلمة عن عائشة ، وكذا حديث زيد بن ثابت عند الشيخين . ولأبي داود ومحمد بن نصر عن أبي سلمة عن عائشة أنها هي التي نصبت له الحصير على باب بيتها فإما أن يحمل على التعدد أو على المجاز في الجدار وفي نسبته الحجرة إليها ).
*
الوقفة السابعة في قوله :
( أما اللوازم الفاسدة المترتبة على هذا القول فهي كثيرة :
- منها:أن اطراد هذاالقول فيه تعطيل للمساجدبعدانتهاءهذهالأزمة،لافي النوافل فقط (كالتراويح) ، بل في الفرائض أيضا . وأما ادعاء التفريق بين النوافل والفرائض في ذلك : فهو تفريق باطل بغير دليل ؛ لأن الأصل أن كل ما ثبت للنفل ثبت للفرض،
والعكس صحيح ؛ إلا ما جاء الدليل يخص به النفل أو الفرض . وليست المسألة بالأهواء ، نفرق بينهما ما نشتهي فيه التفريق ونجمع بينهما فيما نشتهيه ، وكل صلاة صلاها النبي صلى الله عليه وسلم فهي هيئة للصلاة (نفلا كانت أو فرضا)، إلا إن دل الدليل على التخصيص . ونسي القائلون بالتفريق هنا أن النصوص التي يحتجون بها من كلام
الفقهاء كانت تشمل الفرائض والنوافل ، ككلام الإمام مالك وغيره .
فانظر كيف يؤدي القول الباطل إلى لوازم باطلة ؟! وكيف يؤدي الحماس غير المنضبط بالفقه إلى ضد ما تحمس له هذا المتحمس !
- ومع إطلاق أصحاب هذا القول يصبح صلاة أهل المغرب والمشرق مع بعضهم صحيح في الفرائض والنوافل ، وأن يصلي أهل المغرب مع الحرمين كصلاة التهجد ، عند من يشترط اتحاد نية الإمام والمأموم ، ومن لا يشترطها من الفقهاء يجوز أن يصلوا
الفرائض مع اختلاف النية !!
وعندها : هل سيكون من صلى في تونس أو المغرب أعظم أجرا ممن صلى في مسجد محلته فيهما ؟! لأنه قد صلى مع الحرمين؟ على رأي من يرى أن فضل الصلاة في الحرمين شامل لكل من صلى مع جماعته، ولو صلى خارج بناء المسجد ؟ .....)
والجواب عنه :
١ - هذا إلزام لا يلزم .
فمثلاً القول بجواز الجماعة في غير المسجد ، هل يلزم منه تعطيل المساجد ، والجواب : لا .
فهناك من يرى وجوب صلاة الجماعة في المسجد إذا أمكن .
٢ - ان الأرض كلها مسجد ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً) فهل يلزم من هذا الحديث تعطيل المساجد ؟!.
٤ - أن من صلى في الحرم إماماً، وصلى خلفه المأموم خارج الحرم لم ينل من كان خارج الحرم أجر من صلى في الحرم لاختلاف المكانين مع صحة المتابعة .
الوقفة الثامنة في قوله :
( بل لماذا لا تلحق صلاة الجمعة بذلك أي ًضا ، وكل استثناء يمكن أن يحتجوا به ، يمكن تأويله ، والاستدلال لضده ، حتى يصبح هذا القول عند الجهلة قولا صحيحا أو وجيها !!
وتجويز صلاة الجمعة خلف المذياع قد قيل منذ قرابة القرن ، وليس مجرد إلزام ، فقد اطرد اجتهاد أصحاب هذا الشذوذ ، حتى التزموا بذلك ، وألف أحدهم فيها رسالة مطبوعة ، وهي رسالة (الإقناع بصحة صلاة الجمعة في المنزل خلف المذياع) لأبي
الفيض أحمد بن الصديق الغماري !!
- وإذا جازت الصلاة خلف التليفزيون والمذياع فلماذا يؤذن في المساجد ؟! يكفينا أذان التليفزيون والمذياع إذن ! أم أصبحت الوسيلة أهم من الغاية ؟! فالأذان (الذي هو
وسيلة لدعوة الناس إلى الصلاة) لا ُيشرع إلا من المساجد ، وأما الصلاة فتشرع في البيت ؟! والحاصل أننا نسمع الأذان أيضا في التليفزيون والمذياع ، وهو لا يحتاج
صفوفا ولا رؤية مؤذن ولا إمام بالإجماع ! )
والجواب :
١ - أن صلاة الجمعة اختلف العلماء في حكم إقامتها في البيوت عند توفر العدد الذي يشرطه كل مذهب - وقد سبق بيانها في مسألة مستقلة - فعند من يرى المنع ، فلا إشكال عنده، وعند من يرى الجواز فقد يطرد ولا فرق .
٢ - أن صلاة النفل أخف من صلاة الفرض، والجمعة أشد من الفرض فيشترط لها ما لا يشترط لغيرها، ولا يقاس الأعلى على الأدنى إلا إذا تحقق معنى الأعلى في الأدنى .
الوقفة التاسعة في قوله :
( وأخيرا : أين ذهبت أحاديث تسوية الصفوف وسد الفرج ؟ أين ذهبت علة تفضيل صلاة
الجماعة،وهي عمارةالمساجد﴿في بيوت أذَن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبحَ له فيهاباْلُغُدو والأصال )ِّ
ٍالتي هي شعار عظيم من شعائر الإسلام ، وأين علة الاجتماع الحسي في المساجد ََ
الذي يؤدي إلى تعارف المسلمين وتكاتف الجيران ؟
والجواب :
١ - تسوية الصفوف وسد الفرج تكون حيث أمكن ، كمن صلوا مجموعة خلف المذياع ، وحيث لا يمكن كالفرد : تسقط .
٢ - جواز الصلاة خلف المذياع لا يلزم منه عدم وجود الصلاة في المساجد كما سبق .
٣ - التعارف ونحوه من الاجتماع في مكان واحد ، هذه حكمة وليست علة ، ولهذا تصح صلاة من اجتمعوا ولم يتعارفوا.
٤ - تفضيل صلاة الجماعة مع المذياع في بيته قد تكون أفضل لاعتبارات تفضلها سواء مع المذياع ونحوه أو برونها
والقاعدة : إن الفعل المفعول لبيان الجواز قد يكون أفضل بذلك الاعتبار ، وإن كان غيره أفضل منه باعتبار ذاته .
وهذه الوقفات لا تعني التقليل من شأن الشيخ الفاضل حاتم العوني ، وإنما هي إلمحات تؤدي إلى القول الصواب في المسألة ، ومتى ما اتضح الحق بدليله في خلاف ما ذهبت إليه ، رجعت إليه .
وإليك ما كتبته في هذه المسألة سابقاً.
————-
حكم الصلاة خلف إمام من خلال التلفاز أو الإذاعة::
—————-
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين :
القول الأول : المنع من ذلك وعدم الجواز .
ومنهم من يشترط : كون المتابعة بين الإمام والمأموم في مسجد واحد .
والجواب عنه : أنه ثبت في صحيح البخاري أن النبي صلى الله هليه وسلم النافلة في حجرته، وصلى الناس خلفه، وبينهما جدار قصير .
فالنبي صلى الله عليه وسلم صلى في حجرته وهم خارج الحجرة ، مما يدل على أنه لايشترط اتحاد المكان بين الإمام والمأموم إذا كان الوقت واحداً.
ومنهم من يشترط اتصال الصفوف .
والجواب عنه : أن اشتراط ذلك يحتاج إلى دليل يدل على الشرطية، والعلة هي إمكان المتابعة مع اتحاد الوقت، وهذا يكون باتصال الصفوف وبعدم اتصالها .
* فإن قيل : إن ذلك يؤدي إلى تعطيل المساجد، حيث تنتفي الحكمة من صلاة الجمعة والجماعة وهو الاجتماع، في المسجد للجمعة والجماعة .
والجواب عنه :
١ -أن هناك فرق بين العلة والحكمة - والتعليل : يكون بالعلة لا بالحكمة إلا إذا توفرت شروط العلة في الحكمة - وقد سبق بيان ذلك في القواعد .
والقاعدة : المعلل بالمظان لا يتخلف بتخلف خكمته - وقد سبقت أيضاً في القواعدالفقهية والأصولية على الشبكة العنكوبتيه النت -.
وهذه حكمة وليست علة .
٢ -أن العلة في وجوب الجماعة : هي الجماعة لا المسجد ، وفي صحيح مسلم ( فأحرق على أناس لا يشهدون الجماعة بيوتهم ).
٣ - إن كون العلة هي الجماعة لا يلزم منه تعطيل المساجد ، كما لا يلزم من تعدد المساجد تعطيل الأول منها .
* فإن قيل : يحتمل انقطاع الكهرباء أو البث في أثناء الصلاة .
فالجواب :
١ - يمكن أن يكملها منفرداً عند تعذر المتابعة، كما هو الشأن لو كان خلف الإمام مباشرة، وتعذرت متابعته أو متابعة من ناب عنه أو أنابه عنه .
٢ - العبرة بالمنظور لا بالمنتظر - سبقت في القواعد -.
والمنظور عدم الانقطاع .
٣ - أن الأعم الأغلب عدم الانقطاع في البث أو الكهرباء، والقاعدة : العبرة بالأعم الأغلب لا بالقليل والنادر .
* فإن قيل : العلة في ذلك هي اجتماع الناس في مكان واحد ، وهذا لا يتحقق في الصلاة خلف المذياع.
*
فالجواب : أن هذه حكمة وليست علة، ولهذا لو اجتمع الناس في مكان واحد وصلوا فرادى ، لم يتحقق أنهم صلوا جماعة مع كونهم في مكان واحد.
ولو كانت الجماعة تتحقق بالبقعة لما احتجنا لإمام بل اجتمعنا في بقعة وصلى كل واحد على انفراد، وهذا غير صحيح .
القول الثاني : جواز الصلاة خلف إمام يمكن متابعته في الوقت من خلال التلفاز أو المذياع .
فقد قال مالك في المدونة : 175/1
:( ومن صلى في دور أمام القبلة بصلاة الإمام ، وهم يسمعون تكبير الإمام فيصلون بصلاته ، ويركعون بركوعه، ويسجدون بسجوده ، فصلاتهم تامة ولو كانوا بين يدي الإمام ).
وقال أيضاً مالك كما جاء في المدونة ١/ ١٧١: " لا بأس بالنهر الصغير أو الطريق تكون بين الإمام والماموم"*
وذلك لأن العلة : أن يكون المأموم عالماً بصلاة إمامه لكي يتمكن من متابعته،
ولا يشترط كون المأموم خلف الإمام، ولا اتصال الصفوف، ولا كونهما في مسجد واحد . وهو قول مالك والشافعي .
- مع العلم أن مذهب المالكية والشافعية ، يجيزون متابعة الإمام في المسافة القريبة لا البعيدة ، على خلاف بينهم في مقدار تلك المسافة ، أوصلها الشافعية إلى ثلاثمائة ذراع تقريباً -.
- ومن المقرر عند الفقهاء : أن هناك فرق بين قول الأمام ، وبين مذهبه الذي استقر عمل اتباعه عليه .
وفي صحيح البخاري : أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في حجرته ، فصلى الناس بصلاته، وبينهما جدار قصير .
كما سبق .
ويحتمل : أن الحجرة : هو ما احتجر به النبي صلى الله عليه وسلم من الحصير في المسجد، ويحتمل : أن المراد حجرته ، كما في صحيح مسلم من حديث أنس : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في رمضان ، فجئت فقمت إلى جنبه . فجاء رجل فقام ، حتى كنا رهطا ، فلما أحس بنا تجوز ، ثم دخل رحله ). والرحل : المنزل .
وهذا يدل على أنه كان في رمضان ودخل منزله .
وسواء كان هذا أو ذاك ، فهو يدل على مشروعية الاقتداء وبينهما - الإمام والمأموم - حاجز .
قال الحافظ : ( ظاهره أن المراد حجرة بيته ، ويدل عليه ذكر جدار الحجرة في رواية البخاري من طريق عبدة عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة قالت " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي من الليل في حجرته وجدار الحجرة قصير " الحديث وأوضح منه رواية حماد بن زيد عن يحيى عند أبي نعيم بلفظ " كان يصلي في حجرة من حجر أزواجه " ويحتمل أن المراد الحجرة التي كان احتجرها في المسجد بالحصير كما في رواية عند الشيخين من حديث أبي سلمة عن عائشة ، وكذا حديث زيد بن ثابت عند الشيخين . ولأبي داود ومحمد بن نصر عن أبي سلمة عن عائشة أنها هي التي نصبت له الحصير على باب بيتها فإما أن يحمل على التعدد أو على المجاز في الجدار وفي نسبته الحجرة إليها ).
ولأن الأصل في الأفعال الصادرة من أهلها الصحة ، والقول ببطلانها يحتاج إلى دليل يدل عليه .
ولا يعارض هذا : أن العبادات توقيفية ، لأن العبادة وهي الصلاة ثبتت فيها المتابعة، والمسافة بين الإمام والمأموم لم تحد بحد، وقد جاء عن أبي هريرة أنه تابع إمامه وهو على ظهر المسجد.
وبعد هذا العرض يتبين رجحان القول بالجواز مع مراعاة ما يرد في التنبيهات .
تنبيهات :
١- التحقق من توافق دخول الوقت الشرعي للصلاة في المكان الذي به المأموم مع المكان الذي به الإمام المؤتم به.
٢-أن يكون نقل الصوت مباشرا بحيث لايكون هناك فرق وقت من الناحية التقنية بين الصوت الفعلي والصوت المنقول يؤثر على متابعة المأموم للإمام في تنقلاته أثناء الصلاة.
٣ - لو أراد المسلم أن يحتاط لدينه ويخرج من الخلاف في صلاة الفرض خاصة بحيث يصليها الشخص جماعة مع أهل بيته أو منفردا ويصلي النفل من صلاة التراويح وغيرها من النوافل ، مع المذياع ، فلا بأس. ولا يخفى أن أحكام النافلة مخففة عن أحكام الفرض مثل سقوط ركن القيام مع القدرة وشرط استقبال القبلة في صلاة النافلة، ونحو ذلك .
مع أن القاعدة : ما ثبت في الفرض ثبت في النفل ، وما ثبت في النفل ثبت في الفرض إلا ما دل الدليل على تخصيصه .
٤ - ينبه في عرض المسألة السابقة على نقاط :
أ - فرق بين نسبة القول للإمام ، ونسبة القول للمذهب.
ب. - هل يجوز إحداث قول ثالث في المسألة، والخلاف فيها مشهور على ثلاثة أقوال - وقد سبق بيان الراجح وتقريره في القواعد -.
ج. - الضوابط والقواعد : هي جواب عن إشكال مصدر ب قول : فإن قيل .
د. - العبادات توقيفية ، في ذات العبادة ، وأما تقدير المسافة بين الإمام والمأموم ، فهو محل اجتهاد .
ه - إن القول بالمتابعة - بين الإمام والمأموم - لمن بعد ، نص عليه الإمام مالك.
والله تعالى أعلم .
كتبه / محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق