——————————-
فيها مسألتان :
الأولى : هل يوجب الإمساك والصيام في أول يوم من رمضان ، فإذا رؤي الهلال في يوم الثلاين من رمضان يوجب الفطر ودخول العيد، وإذا رؤي في أول يوم : يجب الإمساك والصيام :
جمهور العلماء - ومنهم الأئمة الأربعة - وهو الأقرب أنه بهذا الاعتبار لا عبرة برؤية الهلال في النهار ، وهو ما يعبر عنه الفقهاء بقولهم : أنه إذا رؤي الهلال نهاراً فهو لليلة الماضية .
والمسألة الثانية : هل رؤية الهلال بالنهار تغني عن رؤيته بالليل لدخول الشهر ، وخروجه ، أم لا عبرة برؤية الهلال نهاراً، ويتحرى الناس رؤيته بالليل ولا تكفي رؤية الهلال بالنهار ، فمن قال : من رأه بالنهار فهو لليلة الماضية : لم يعتبر تلك الرؤية نهاراً مؤثرة في دخول الشهر وخروجه ، ومن قال : هو لليلة المستقبلية بعد الرؤية ،قال : هو لليلة المقبلة ويكتفي برؤية الهلال في النهار، وقيل : هي لليلة المقبلة ولا يكتفي برؤية الهلال نهاراً ، والأقرب أنه لا عبرة برؤية الهلال في النهار لثبوت الشهر وخروجه .
—————————-
المسألة الأولى :
لا أثر لرؤية الهلال نهاراً في الصوم والفطر ،- في الليلة الماضية - ، فلو رآه الصائم في نهار الثلاثين من رمضان ، فإنه يستمر في صومه ولا يفطر ، ولو رآه المفطر في نهار الثلاثين من شعبان ، فلا يلزمه الإمساك أو القضاء.
فالرؤية النهارية لا عبرة بها ، بل العبرة برؤية الهلال بعد غروب الشمس ، فقط .
للأسباب التالية :
1 - لحديث:( صوموا لرؤيته ، وأفطروا لرؤيته ).
وهذا مطلق يصح على أقل ما يتناوله اللفظ، ولكنه حمل على الرؤية الليلية - التي في الليل - لأن هذا هو المتبادر للذهن عند العرب، وأن محل الرؤية الليل ، وخروج الهلال في النهار نادر ، والنادر لا عبرة به.
ولأن اللفظ يحمل على الأعم الأغلب على القليل والنادر .
فتكون الرؤية المعتادة هي رؤية الهلال ليلاً لا نهاراً.
وعلى فرض العموم في عدم التفريق بين الليل والنهار في الرؤية من النص، فإن القاعدة : العرف المقارن للخطاب من مخصصات النص العام .
والآثار الواردة تبين عرف الصحابة في رؤية الهلال ليلاً لا نهاراً.
2 - ففي "مصنف ابن أبي شيبة" (3/67) بسند صحيح عَنْ أَبِي وَائِلٍ ، قَالَ : " أَتَانَا كِتَابُ عُمَرَ وَنَحْنُ بِخَانقِينَ ؛ أَنَّ الأَهِلَّةَ بَعْضُهَا أَكْبَرُ مِنْ بَعْضٍ ، فَإِذَا رَأَيْتُمَ الْهِلاَلَ نَهَارًا فَلاَ تُفْطِرُوا ، حَتَّى يَشْهَدَ رَجُلاَنِ مُسْلِمَانِ أَنَّهُمَا رَأَيَاهُ بِالأَمْسِ". انتهى
3 - وروى الْبَيْهَقِيُّ بسند صحيح عن سالم بن عبد الله بن عُمَرَ: " أَنَّ نَاسًا رَأَوْا هِلَالَ الْفِطْرِ نَهَارًا ، فَأَتَمَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا صِيَامَهُ إلَى اللَّيْلِ ، وَقَالَ: "لاَ ، حَتَّى يُرَى مِنْ حَيْثُ يُرَى بِاللَّيْلِ" انتهى من "سنن البيهقي" (2/435).
4 - ولأن الرؤية التي اعتبرها الشارع في قوله: ( صوموا لرؤيته ) هي الرؤية الليلية ، لا الرؤية النهارية فليست بمعتبرة ، سواء كانت قبل الزوال أو بعده،.
5 - ولأن الرؤية المعتادة ، هي رؤية الهلال في الليل، والقاعدة : العادة محكمة .
وقيل : إن رؤية الهلال مطلقاً موجب للإفطار في آخر الشهر، موجبة للصيام في أوله .
1 - لحديث : ( أفطروا لرؤيته ) من دون فرق بين الليل والنهار .
وقد سبق الجواب عن ذلك في أول فقرة من التسبيب للقول الأول .
2 - ولأن برؤيته في النهار يتحقق كون اليوم الأول من رمضان ، وفي نهاية رمضان أن ذلك اليوم الذي طهر فيه نهاراً من شوال، فيوجب الإمساك في الأول، والفطر في الثاني.
والجواب : ظهور الهلال في النهار لا عبرة به ، ووجود ذلك كعدمه، لأنه ليس محلاً للترائي. فالمراد بالرؤية في الحديث الرؤية المعتادة، وفي النهار ليست معتادة .
وحكي الإجماع على القول الأول.
وبناء على ذلك لا يتم الفطر ولا الصوم إلا بالرؤية الليلية بعد غروب الشمس ، والله أعلم .
—————————————————————————
المسألة الثانية : وهي إذا رؤي الهلال في النهار وكان لليلة المستقبلية ، يثبت به دخول الشهر بمجرد رؤيته في النهار فيكون غداً من رمضان أم نحتاج إلى أن يرى في الليل حتى يثبت أن غداً من رمضان، وكذا في خروجه .
على قولين : الجمهور لاعبرة برؤيته في النهار، وإنما يعتمد على رؤيته في الليل، وهو الأقرب ، لما سبق من الأدلة.
وقيل : يثبت دخول الشهر إذا رؤي في النهار لليلة المستقبلية ، بحيث يثبت أن غداً من رمضان أو من شعبان ،
وإن لم يرى الهلال ليلاً، لعموم الحديث( صوموا لرؤيته ) يشمل الليل والنهار ، وقد سبق الجواب عليه.
وقيل : بالتفريق بين رؤية الهلال بالنهار بين ما كان قبل الزوال فهو لليلة الماضية، لأنه لها أقرب، وبين رؤيته بعد الزوال فهو لليلة القابلة ، لأنه لها أقرب.
وفيه نظر وتعارض، فقد يرى قبل الزوال وبعده.
والذي يترجح في نظري والعلم عند الله تعالى ، هو ما ذهب إليه جماهير أهل العلم من أن رؤية الهلال في النهار غير معتبرة في المسألتين مطلقاً لما سبق من أدلة وتقعيد وجواب عن أدلة المخالفين ، والله أعلم .
محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق