حكم الخارج من غير السبيلين من الدماء
كالرعاف والجروح .
حكى الإمام أحمد ابن حزم وابن عبد البر وابن رشد والنووي وغيرهم : الإجماع على نجاسته .
١ - لقوله تعالى : ( قل لا أجد فيما أوحي إلي محرماً على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزيرفإنه رجس أو فسقاً أهل به لغير الله ..)
فحكم الله برجسيته ، والرجس في لغة العرب، : هو القذر، فإذا جاء في لسان الشرع، فهو القذر قذارة شرعية وهو النجس.، وقوله تعالى في الدم ( أو دماً مسفوحاً) دلّ على العفو عن غير المسفوح وهو غير الكثير، وما لم يحدد في الشرع، فالمرجع في تحديده إلى العرف.
٢ - ولما في الصحيحين من حديث أسماء بنت أبي بكر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في دم الحيض يصيب الثوب : ( تحته ثم تقرصه بالماء ، ثم تنضحه ، ثم تصلي فيه).
حيث رتب على الصلاة في الثوب طهارته من الدم ، مما يدل على نجاسته لأن الطهارة لا تكون إلا من حدث وهذا هنا غير وارد فتعين كون دم الحيض نجساً .
وهو يدل على عدم وجوب غير الماء من المطهرات ولو بقي له أثر ، لأن من فعل ما أمر به بحسب استطاعته فلا إعادة عليه، ولا ضمان . - وهذه قاعدة مهمة -.
ولم يذكر السدر ولا غيره من المنظفات مع الماء ولو كان واجباً لذكره ، خصوصاً إذا كان لا يزول الأثر إلا به، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز.
وفي حديث أبي هريرة قالت خولة يا رسول الله ، فإن لم يذهب الدم ؟ قال : ( يكفيك الماء ولا يضرك أثره). أخرجه الترمذي ، وفيه ابن لهيعة : إذا حدث عنه أحد العبادلة الثلاثة- عبدالله بن وهب، وعبدالله بن المبارك، وعبدالله بن يزيد المقريء- فروايتهم عنه أمثل من غيرها ، وهذا الحديث منها. ويؤيده حديث أسماء السابق .
٣ - الإجماع الذي حكاه من سبق من أهل العلم على نجاسة دم الحيض، ويعفى عن يسيره - ما يعتبر يسيراً في العرف - لقوله تعالى ( أو دماً مسفوحاً ) فدلّ على أن اليسير معفو عنه، وقياساً على الاستجمار فمهما أنقى فغالبا ما يبقى له أثر، وقياساً على ما لا نفس له سائلة.
وخالف بعض المتأخرين كالشوكاني وغيره، حيث قالوا بطهارة الدم عدا دم الحيض .
١ - لأن الأصل الطهارة.
والجواب : أن الأصل أضعف الأدلة ، ولا يحتج به إلا بعد البحث عن بقية الأدلة، وأدلة القول الأول تنقل عن هذا الأصل.
٢ - قصة الصحابي في غزوة ذات الرقاع ، الذي رماه المشرك بثلاثة أسهم ، وهو قائم يصلي ، فمضى في صلاته، والدم يسيل منه.
والجواب . أن هذه القصة سندها ضعيف، وعلى فرض صحتها فهي في حال الإضرار لا الاختيار.
قال ابن تيمية :( إن كان الجرح لا يرقأ مثل ما أصاب عمر بن الخطاب فإنه يصلي باتفاقهم )ا
فهذا مقام اضطرار كالمستحاضة وصاحب السلس .
قال الحافظ عن حديث ذات الرقاع : ( وصله ابن إسحاق في المغازي قال : حدثني صدقة بن يسار عن عقيل بن جابر عن أبيه مطولاً ، وأخرجه أحمد ، وأبو داود ، والدارقطني ، وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم ، كلهم من طريق ابن إسحاق ، وشيخه صدقة ثقة، وعقيل بفتح العين لا أعرف راوياً عنه غير صدقة ، ولهذا لم يجزم به المصنف - علقه البخاري بصيغة التضعيف : ويُذكر عن جابر بن عبدالله أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في غزوة ذات الرقاع فرمى رجل بسهم فنزفه الدم وسجد ومضى في صلاته - أو لكونه اختصره، أو للخلاف في ابن إسحاق ).
وقال : وأخرجه البيهقي في الدلائل من وجه آخر.
- ولهذا حسنها الألباني -.
وعلى فرض صحته أيضاً : ففرق بين طهارة الحدث فتبطل الصلاة بحدوثها مباشرة، وطهارة الخبث لا تبطل الصلاة على القول الراجح لا تبطل الصلاة بوجودها، ولهذا لم يعد النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة لما أخبره أن في حذائه قذر، ولو كانت من الحدث لأعاد .
وقال ( إنهما ليعذبان ...أما احدهما فكان لا يستبريء من بوله ) ولو كانت الطهارة من الخبث شرط لعذب على ترك الصلاة لكون الصلاة لا تصح إلا بها، فالصلاة هي الغاية والطهارة وسيلة لها ، فلما لم يذكر تعذيبه على ترك الصلاة دلّ على عدم كون طهارة الخبث شرط لصحة الصلاة وإنما هي واجبة لا شرط .
وبهذا يتبين رجحان القول الأول مع مخالفة القول الثاني للإجماع، والله تعالى أعلم.
كتبه / محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة/ جامعة أم القرى / مكة المكرمة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق