حكم صلاة التطوع بعد طلوع الفجر وقبل صلاة الصبح :
------
الخلاصة :
يكره النفل بلا سبب بعد صلاة الصبح حتى ترتفع قيد رمح ، ولا يحرم، وكذا الصلاة النافلة بعد صلاة العصر حتى تغيب، والصلاة قبلهما تشرع فيه الصلاة ولا تدخل في النهي .
-------
روى البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس ، ولا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس )
فهذا الحديث يحتمل أن النهي بعد دخول وقت هذين الفرضين، ويحتمل أن النهي يبدأ بعد أداء تلك الصلاتين .
والقاعدة : لا يجوز فرض العمومات في المضمرات .
وذلك أن اللفظ إذا كان يحتمل أكثر من معنى ولم يعلم ذلك المحذوف - حذف ما يعلم جائز - حمل على جميع معانيه، ما لم تكن المعاني متعارضة فيكون من قبيل المجمل ، فإذا علم المحذوف حمل عليه، وهنا في حديث أبي سعيد علم المحذوف وهو صلاة الصبح ، في اللفظ الأول، وصلاة العصر في اللفظ الثاني ، وذلك أن الحديث جاء عند مسلم من حديث أبي سعيد نفسه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( لا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس، ولا صلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس ). فتعين المراد، وعليه فالنهي عن الصلاة يبدأ بعد أداء تلك الصلاتين لا بمجرد دخول وقتهما .
@ وأما حديث ابن عمر مرفوعاً( لا صلاة بعد الفجر إلا سجدتين ) رواه الخمسة إلا النسائي. فيه محمد بن الحصين، وهو مجهول كما قال الدارقطني وابن حجر.
ورواية عبدالرزاق ( لا صلاة بعد طلوع الفجر إلا ركعتي الفجر ) فيها أبو بكر بن محمد، ينسب إلى جده، وإلا فهو أبو بكر بن عبدالله بن محمد بن سمرة، وهو ضعيف جداً، ونسبه بعضهم إلى الوضع .
ورواية الدارقطني عن ابن عمرو بن العاص مثل رواية عبدالرزاق، وفيها: عبدالرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي، قال عنه الترمذي : ضعيف عند أهل الحديث، وضعفه يحى بن سعيد القطان وغيره، وقال أحمد : لا أكتب حديثه.
وقال أحمد : رأيت محمد بن إسماعيل يقوي أمره، ويقول : هو مقارب الحديث .
@ وعلى هذا فإن العلماء اختلفوا في تصحيح حديث ابن عمر السابق على قولين ، وذلك أن الحديث الحسن إذا تعددت طرقه وكان ضعفه يسيراً يرتقي إلى درجة الحسن لغيره.
ورواية عبدالرزاق ضعفها شديد فلا تجبر الحديث ولا ترتقي به إلى درجة الحسن لغيره.
ورواية الدارقطني فيها عبد الرحمن الأفريقي وضعفه ليس بالشديد ، ولكن رواية ابن عمر فيها محمد بن الحصين مجهول، والمجهول يحتمل ضعفه أن يكون شديداً أو يسيراً، وإذا كان الأمر كذلك ، فإن الأصل التوقف في تصحيحه وعدم إثباته، وبهذا يترجح عدم تحسين الحديث،
وأن النهي يبدأ بعد الصلاة لا حين دخول وقتها، والعلم عندالله تعالى .
@ هل النهي للتحريم في النهي عن الصلاة بعد صلاة الصبح وصلاة العصر ، أم للكراهة .
اختلف العلماء في ذلك على قولين :
الأول التحريم ، على خلاف بينهم في استثناء ذوات الأسباب، وذلك لأن الأصل في النهي التحريم، ففي الحديث ( لا صلاة بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس...). وهو نفي بمعنى النهي.
والقول الثاني : النهي للكراهة لا للتحريم ، وهو الأقرب في نظري ، وذلك للأدلة التالية :
١ - في الصحيحين من حديث أم سلمة رضي الله عنها قالت : ( صلاتان ما تركهما رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي قط، سراً ولا علانية : ركعتين قبل الفجر، وركعتين بعد العصر ).
وذلك أن النهي لو كان للتحريم لما استمر على فعلها بعد العصر في كل يوم، ولما كان من هديه صلى الله عليه وسلم إذا عمل عملاً أثبته ، كانت المصلحة في الاستمرار عليه وهي أعلى من مفسدة النهي عن الصلاة بعد العصر، مما يدل على أن النهي للكراهة، والقاعدة : ما كان النهي فيه للكراهةأبيح عند الحاجة ، وما كان النهي فيه للتحريم لم يبح إلا للضرورة .
وأما كون فعله هذا خاصاً به، فالأصل : عدم الخصوصية ، وحديث أم سلمة ( أفنقضيهما إذا فاتتا؟ قال : لا ) قال عنها ابن حجر في الفتح : ( إنها رواية ضعيفة لا تقوم بها حجة ).
وقال عبدالحق الأشبيلي : هذه الزيادة منكرة،تروى من طريق حمّاد بن سلمة ولا تصح. وكذا قال ابن حزم ، وضعف الزيادة البيهقي ، وذلك لتفرد حمّاد بن سلمة ، وإن كان ثقة صدوق لكن تغير حفظه .
وقد ورد حديث أم سلمة في الصحيحين ولم تذكر فيه هذه الزيادة . فهذه الزيادة شاذة .
@ وحديث عائشة عند أبي داود : كان يصلي بعد العصر وينهى عنها، ويواصل وينهى عن الوصال) فيه محمد بن إسحاق ، مدلس وقد عنعنه . فهو ضعيف.
وحديث علي مرفوعاً( لا تصلوا بعد العصر إلا والشمس مرتفعة ) فمعلول.
٢ - عن يزيد الأسود قال : صلينا مع النبي صلى الله عليه وسلم الفجر بمنى فجاء رجلان حتى وقفا على رواحلهما ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم فجئ بهما ترتعد فرائصهما فقال لهما : ( ما منعكما أن تصليا مع الناس . . . ألستما مسلمين ؟ ) قالا : بلى يا رسول الله إنا كنا قد صلينا في رحالنا . فقال لهما : ( إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما الإمام فصليا معه فإنها لكما نافلة ) . رواه أحمد وأبو داود.
الشاهد : أن هذه الصلاة هي الفجر كما بينت الرواية الأخرى، ومع ذلك أثبت لهم النافلة في وقت النهي لسبب، وهذا يدل على النهي للكراهة لا للتحريم فإذا وجدت مصلحة راجحة زالت الكراهة، ولو كان النهي للتحريم لما جازت النافلة فيه مطلقاً.
كتبه / محمد بن سعد الهليل العصيمي/
كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق