حكم اشتراط رد رأس المال قبل توزيع الأرباح في المضاربة:
فمثلاً: اشترك رجلان في تأسيس شركة تأجير سيارات، على أن يدفع أحدهما المبلغ المحدد، والآخر يعمل فيه، وهما شريكان مناصفة في الربح، وشرط رب المال: أن لا يتم توزيع الأرباح، حتى يرد العامل جميع رأس المال لرب المال ثم هما شريكان بعد ذلك بنصيب مشاع لكل واحد منهما النصف.
--------
فالجواب: أن المضاربة لا تجوز بضمان رد رأس المال.
والقاعدة في الشركات: أن الخسارة على صاحب المال في ماله، وعلى صاحب العمل بعمله، والربح على ما يتفقان عليه بنصيب مشاع.
فإذا شرط أن الربح لا يكون إلا بعد رد رأس المال، لم يصح الشرط بالاتفاق.
ولكن هل يفسد العقد، ذهب الجمهور إلى أن العقد لا يفسد ههنا وإن فسد الشرط، وذهب أحمد في رواية وحكي عن الشافعي: بفساد العقد، والأقرب هو قول الجمهور.
لأن إعمال الكلام أولى من إهماله، فما أمكن تصحيحه أولى من إهداره، وكل شرط يخالف الشرع فهو باطل، ووجوده كعدمه.
والقاعدة في ذلك: أن الشرط الفاسد المفسد للعقد: هو مافقد ركن من أركان العقد، أو وجد به مانع، أو دلّ الدليل على أنه يعود على أصل العقد بالإبطال -كما سبق في القواعد-.
وإذا كان الشرط فاسداً غير مفسد للعقد: فإذا علم المشترط ببطلانه، وشرطه، فوجود هذا الشرط كعدمه، ويجوز اشتراط الشرط الفاسد لتحقيق بطلانه كما في حديث بريرة (خذيها واشترط لهم الولاء).
وإذا كان المشترط لا يعلم ببطلانه، فله الخيار في الفسخ أو الإمضاء إذا كان في حقوق المخلوقين كما سبق في القواعد.
وبناء على ما سبق: فوجود هذا الشرط كعدمه، والشرط لاغ، والعقد صحيح، وعليه يكون ما استلم على أنه رأس المال هما شريكان فيه على أنه أرباح، وأصل المال باق في الأعيان التي شريت من السيارات وما بقي من الدراهم إن بقي، ولا يتم توزيع الأرباح إلا إذا انتهت الشركة، أو اتفق الشركاء على التوزيع.
والخسارة على صاحب المال في ماله، وعلى صاحب العمل في عمله، ولا عبرة بالشرط الشخصي إذا خالف الشرط الشرعي.
وأما من يرى ههنا فساد العقد لفساد الشرط:
فإن المال يكون بعد رأس المال، لرب المال، فكما أن له غرمه -عند الخسارة- فله غنمه.
ولأن العامل على المال يده يد أمانة، فلا ضمان عليه ما لم يتعد أو يفرط.
وعلى هذا يكون المال كله لرب المال، وللعامل أجرة المثل أو سهم المثل، يحدده العرف.
- فالجمهور له أجرة المثل، والمالكية في رواية: سهم المثل-.
- فإن قيل: ما زاد عن رأس المال بعد قبضه من ربه، كيف يحل له، فهو من الباطل: لأنه أخذه من غير مال ولا عمل ولا ضمان ولا ضرر مادي (فبأي حق تأخذ مال أخيك).
- فالجواب: أن هذا أخذ في الحقيقة جزء من رأس ماله، وجزء من أرباحه. فهذه الأموال الباقية نتاج ماله مع عمل غيره، فيعطى صاحب المال نماء ماله، ويعطى العامل اجرة عمله بسهم المثل أو أجرة المثل.
- فإن قيل: أليس إذا شرط رد رأس المال قبل توزيع الأرباح، أشبه ذلك القرض الذي يجر نفعاً، فيكون له رأس ماله، ولا يحل له أخذ ربح عليه (فلكم روؤس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون):
- فالجواب: أن رب المال دخل على أن شريك لا مقرض، وكوننا نجعله مقرضاًً يخالف قوله ومعنى قوله -مراده- وكونه شرط شرطاً فاسداً لا يعني أنه لا حق له.
- ثم إن الشارع أفسد شرطه، فكان وجوده كعدمه، فيفسد الشرط ويصح العقد لأن إعمال الكلام أولى من إهماله.
- وإذا قلنا بفساد العقد في هذه الشركة التي اشترط فيها رد رأس المال قبل توزيع وتقسيم الأرباح، أو قلنا بفساد الشرط فقط لا العقد: تكون السيارات التي شريت من أصل المال لرب المال، والسيارات التي اشتريت من الأرباح ملك لكل من الشريكين بحسب النسبة المشاعة المتفق عليها.
والله تعالى أعلم.
تنبيه: لو أعطي العامل حافزاً أنه أذا بلغت نسبة الربح كذا وكذا، ترتفع نسبتك المشاعة من الربع إلى الثلث، أو لك نسبة من الأرباح إضافية إلى نسبة في الشركة.
كان ذلك جائزاً، لوجود السبب وانتفاء المانع، والأصل في البيوع الحل، وفيه مصلحة للشركاء مقصودة.
والله تعالى أعلم.
كتبه / محمد بن سعد الهليل العصيمي / كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق