حكم دفع أموال في محفظة شركة (إس تي سي بي) من أجل الحصول على خصومات وهدايا:
-----
تتنافس شركات عديدة في وضع محافظ لها، وتبذل أموال لتنال إيداعات أكبر، ولها في ذلك طرق في تشجيع الناس لتكون أموالهم في حيازتها، فمثلاً: هذه الشركة (إس تي سي بي)، تقول: من يدفع في محفظتي مائتي ريال، إذا اشترى من أماكن معينة أو شركات معينة أربع مرات، أدفع له بعد المرة الرابعة خمسين ريال.
بمعنى: تدخل في محفظتها مائتي ريال، وتملأ سيارتك بخمسين ريالاً، المرة الأولى، والثانية والثالثة، والرابعة عن طريق محفظتها، تعطيك ما يملأ سيارتك من الوقود بخمسين ريالاً.
------
وهذه المعاملة محرمة ولا تجوز، ومن الربا.
وذلك لأن حقيقة هذه المعاملة: أنك تقرض هذه الشركة بهذا المبلغ: ٢٠٠ ريال، وعندما تشتري ممن تعامل معها من الشركات الأخرى أربع مرات تدعمك بمبلغ زائد، فهي مائتي ريال بمائتين وخمسون ريالاً.
والمقرِض الذي هو العميل، دفع المبلغ ليأخذ أكثر منه، وهذا هو عين الربا.
فلو أقرضت رجلاً ألف ريال، على أنه إذا حل الأجل يشتري لي بما قيمته ألف ومائة ريالاً لكان ذلك حراماً وربا.
فإن قيل: إن الخمسون ليست في مقابلة القرض، وإنما في مقابلة المشتروات.
فالجواب من أوجه:
١- أن هذه الخصومات أو الزيادات على ما دفعت، لا تكون لولا هذا القرض، ولو كان هذا المبلغ المدفوع الزائد من أجل المشتروات، لحصل لكل مشتر اشترى أربع مرات، ولو لم يقرض هذه الشركة هذا المال.
٢- أن المقرِض لمحفظة هذه الشركة، لم يدفع إلا ليأخذ أكثر مما يستحق، فكان قرضاً جر نفعاً.
٣- أن المقصود لهذه الشركة جمع الأموال في محفظتها، لتنتفع بها، وتدفع فوائد ربوية، لمن يساهم معها.
٤- أن العبرة في العقود بالمعاني لا بالألفاظ والمباني. والله تعالى أعلم.
تنبيه: معرفة كون إيداع العميل قرض أو أمانة، يكون بأمرين:
١- إما من حيث العين، ففي الأمانة تجد عين مالك عند قبضه، بخلاف القرض: أخذ مال لينتفع به ويرد بدله.
وعلى القول بأن الدراهم والدنانير وما في حكمهما لا تتعين بالتعيين.
نرجع للفرق الثاني: وهو الأثر:
فالقرض: مضمون في ذمة المقترض، سواء تعدى أو فرط، أم لا، بخلاف الأمانة: لا تضمن على من جعلت عنده إلا إذا تعدى أو فرط.
وما يودع في حساب (إس تي سي بي)، فهو من ضمان الشركة مطلقاً فيكون قرضاً.
إن القول: بأن الهدايا والجوائز والزيادات على صرف ما في الحساب لا على الإيداعات، هذا من تعليق الشيء على وصف طردي لا على وصف مناسب، والوصف الطري لا أثر له في الحكم، كتعليق الحكم على البياض والسواد والطول والعرض، ونحو ذلك كثير، فإن من لازم الإيداع الصرف للعميل أو وكيله، والمقصود هو الإيداع لا ما يكون لازماً له، والله أعلم.
----
تنبيهات:
١- كون الشركة تنص على عدم الوكالة، ثم نقحم الشركة في الوكالة بالقوة الجبرية، وكلا المتعاقدين لم ينصا عليها ولم يريداها، لا يتأتى ذلك في العقود، لأن العبرة في العقود بالمعاني لا بالألفاظ والمباني.
٢- أن الشرع يحكم على الواقع، لا الواقع يحكم على الشرع.
وعند وضع هذه العقود لم يكن فيها غالباً مراعاة للجانب الشرعي، فتحتاج إلى التكييف الفقهي.
٣- إن القول: بأن مجال الشركة: تسديد الديون، لم يكن منهم لفظاً ولا معنى، بل هي تدفع من مالك عند أربع مشتريات منك، ثم تتقدم بشيء زائد من مالها، لما كان منك من إيداع في حسابها، ولو كان المقصود هو المشتروات، لقالت: كل من يشتري عن طريقنا بهذا الكرت فله كذا وكذا.
٣- إن الشروط المتجددة قبل علم المتعاقد الثاني من الغرر.
٤- الدفع والتحويل ليس هو مجال الشركة فقط، فهذا يشترك كل من كان المال عنده من فرد أو بنك أوغيرهما.
٥- إن التهرب من الذي يترتب على العقود الشرعية لا يجدي صاحبه في الشرع شيئاً.
٦- ليس كل من دفع عن غيره مالاً له أن يأخذ على ذلك زيادة.
فقد أكون مديناً وأدفع الدين الذي علي له لغيره بإذنه بلا زيادة جائزة شرعاً.
لأن الواجب علي سداد الدين سواء له أو لوكيله.
وكذا إذا ترتب على هذه الزيادة الوقوع في الربا، تأخر في قضاء الدين وأزيدك مالاً -عين الربا-.
٧- نعم الشركة تعطي هدايا للمشاركة في الخدمة، حتى تجتمع أموالاً كثيرة تتصرف فيها وتنميها بطرقها التي قد يكون منها ما ليس بشرعي.
وتعطي حوافز وزيادات في مجال واحد فقط وهو من اشترى من محفظتها.
٨- قاعدة: كل قرض جر نفعاً فهو ربا، قاعدة مجمع عليها، فلا حاجة للتشكيك في صحتها، والخلاف في تحقيق المناط ما إذا كان النفع مشتركاً.
٩- فتح الحساب في البقالة، هذا عقد قرض بضائع يتم سدادها بعد مدة، وليس في بيع الدين من شيء.
وليس فيها تداخل للعقود.
١٠- البيع بالتقسيط للسلع بزيادة: هذا مجرد بيع بالآجل فقط. وليس من بيع الدين.
وأما تقسيط السندات والدراهم بزيادة فهذا هو الربا (وأحل الله البيع وحرم الربا).
والله أعلم.
كتبه / محمد بن سعد الهليل العصيمي / كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق