حكم تسديد الآباء لديون ساهر عن أبنائهم من زكاتهم :
———-
يكمن الجواب عن هذه المسألة في أصول ثلاثة :
أ - الأصل الأول : حكم دفع الزكاة للفروع في غير صنف الفقر ، ككونهم من الغارمين العاجزين عن سداد ديونهم ، أو من العاملين أو نحو ذلك .
منع ذلك الحنفية والحنابلة ، وأجاز ذلك الشافعية والمالكية ورواية عن الإمام أحمد ، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية : جيث قالوا : يجوز سداد ديون الأبناء العاجزين عن سدادها ، لان علة المنع : حماية مال الآباء - الأصول أو الفروع - من النفقة، وكل من ترث منه إذا مات يجب عليك أن تنفق عليه إذا افتقر .
فإذا كان سداد دين الابن ليس بسبب واجب على الأب، كالنفقة ، فإنه لا يجب على الأب سداده ، فإذا كان الابن فقيراً لا يستطيع سداد دينه كان من الغارمين الذين يجوز لآبائهم سداد ديونهم من زكواتهم .
ب - في كون ما في ذممهم من ساهر يعتبر ديناً ، أم هي عقوبة تعزيرية بالمال إذا مات سقطت بمجرد موته .
نعم هي عقوبة تعزيرية - عند من يجيز التعزير بالمال وهو الأقرب خلافاً للجمهور -
وتسقط بموت الإنسان ولا تسدد من تركته، لأنها عقوبة فات محلها، ومع ذلك هي تعتبر ديناً في حياته أو في حكم الدين ، لانه ملزم بسدادها يتضرر بعدم سدادها ، والعبرة بالمنظور لا بالمنظر .
أما من لا يتضرر بعدم سدادها وهو فقير فلا تقضى عنه من الزكاة ، لأنها من العقوبات التعزيرية التي تنتهي بفوات محلها.
فإن قيل : قد يضرر بعدم سدادها في المستقبل.
فالجواب : العبرة بالمنظور لا بالمنظر .
فإن قيل : هل يفرق بين أن تكون تلك العقوبة بحق ، أو بغير حق .
فالجواب : أن العبرة بحصول الضرر في لزوم ذلك في الذمة ، فإن كانت بحق يتضرر بعد سدادها فهي في معنى الدين .
وإن كانت بغير حق ، فهي بمعناه أيضاً ، أشبه من في ذمته دين في خمر ، ثم تاب ، فهذا الدين غير معتبر ديناً تنشغل به الذمة شرعاً، ووجوده كعدمه، ولكنه إذا خشي منهم الضرر إن لم يسدد ، كان في حكم الدين في جواز دفع الزكاة له إذا كان فقيراً ، لسداد ذلك الدين خشية وقوع الضرر عليه عند عدم سداده .
وكذا من كان عليه مستحقات مالية فرضت عليه بلا سبب شرعي، ويتضرر بعدم سدادها
وهو فقير ، دفع له من الزكاة ما يسدد به ما فرض عليه، لوجود الضرر الحال بعدم السداد، وذلك لانشغال ذمته بما يتضرر من عدم سداده سواء كان بحق أو بغير حق .
ج - هل يجزيء دفع الزكاة له في نظام ساهر حتى وإن لم يتب، أم تشترط توبته واستقامة حاله في هذا الشأن حتى لا يكون عوناً له على الإثم والعدوان .
إذا كان في السداد عنه لتلك العقوبات المالية التعزيرية معونة له على الاستمرار في معصيته يقيناً أو غلبة للظن ، كان دفع الزكاة عنه في تلك الحال غير جائز ، لانه من التعاون على الإثم والعدوان، والمعين كالفاعل ، كما تقدم في القواعد . والله تعالى أعلم .
كتبه / محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق