—————
أ- عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِرَبِّهِ، قَالَ: لَمَّا أَجْمَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ يَضْرِبَ بِالنَّاقُوسِ وَهُوَ لَهُ كَارِهٌ؛ لِمُوَافَقَتِهِ النَّصَارَى، طَافَ بِي مِن اللَّيْلِ طَائِفٌ وَأَنَا نَائِمٌ: رَجُلٌ عَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَخْضَرَانِ، وَفِي يَدِهِ نَاقُوسٌ يَحْمِلُهُ. قَالَ: فَقُلْتُ: يَا عَبْدَاللَّهِ، أَتَبِيعُ النَّاقُوسَ؟ قَالَ: وَمَا تَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَدْعُو بِهِ إلَى الصَّلَاةِ، قَالَ: أَفَلَا أَدُلُّك عَلَى خَيْرٍ مِنْ ذَلِكَ؟ فَقُلْت: بَلَى، فقَالَ: تَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ. قَالَ: ثُمَّ اسْتَأْخَرَ غَيْرَ بَعِيدٍ وقَالَ: ثُمَّ تَقُولُ إذَا أَقَمْتَ الصَّلَاةَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، قَدْ قَامَت الصَّلَاةُ، قَدْ قَامَت الصَّلَاةُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ.
قَالَ: فَلَمَّا أَصْبَحْتُ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا رَأَيْتُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إنَّ هَذِهِ الرُّؤْيَا حَقٌّ إنْ شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ أَمَرَ بِالتَّأْذِينِ، فَكَانَ بِلَالٌ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ يُؤَذِّنُ بِذَلِكَ وَيَدْعُو رَسُولَ اللَّهِ ﷺ إلَى الصَّلَاةِ. قَالَ: فَجَاءَهُ فَدَعَاهُ ذَاتَ غَدَاةٍ إلَى الْفَجْرِ، فَقِيلَ لَهُ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَائِمٌ، فَصَرَخَ بِلَالٌ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: "الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِن النَّوْمِ".
وجه الدلالة: أن استبدال الأذان بالناقوس أو النار أو غيرهما من البدع.
وكذا استبدال الإقامة بالناقوس أو الإنارة أو غيرهما من البدع.
ولكن إعلام الناس بكون الإمام في الصلاة، بوسائل لم تكن موجودة من ذي قبل، لوجود الحاجة إليه، مع عدم وجود الحاجة إليها في عصر النبوة هل يعتبر من البدع؟
ب- وروى البخاري عَنْ أنَسِ بنِ مَالِكٍ، قالَ: لَمَّا كَثُرَ النَّاسُ قالَ: ذَكَرُوا أنْ يَعْلَمُوا وقْتَ الصَّلَاةِ بشيءٍ يَعْرِفُونَهُ، فَذَكَرُوا أنْ يُورُوا نَارًا، أوْ يَضْرِبُوا نَاقُوسًا فَأُمِرَ بلَالٌ أنْ يَشْفَعَ الأذَانَ، وأَنْ يُوتِرَ الإقَامَةَ.
والناقوس: هو الجرس الموجود عند النصارى بالكنائس.
ج- عن ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قال: "إنما كان الأذانُ على عهد رسول الله ﷺ مرتين مرتين، والإقامة مرة مرة، فسمعتُه يقول: "قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة" وكنا إذا سمعنا الإقامةَ توضَّأنا ثم خرجنا إلى الصلاة". رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي.
الشاهد: أنهم كانوا يسمعون الإقامة وهم في بيوتهم، مما يدل على أنهم يسمعون التلاوة والصلاة وهم في بيوتهم.
وحاجتهم لوسائل أخرى لسماعهم ليست موجودة.
د- ورى البخاري عن جبير بن مطعم، قال : سَمِعْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَقْرَأُ في المَغْرِبِ بالطُّورِ، فَلَمَّا بَلَغَ هذِه الآيَةَ: {أَمْ خُلِقُوا مِن غيرِ شيءٍ أمْ هُمُ الخَالِقُونَ، أمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ والأرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ، أمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أمْ هُمُ المُسَيْطِرُونَ} قالَ: كَادَ قَلْبِي أنْ يَطِيرَ، قالَ سُفْيَانُ: فأمَّا أنَا، فإنَّما سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يُحَدِّثُ، عن مُحَمَّدِ بنِ جُبَيْرِ بنِ مُطْعِمٍ، عن أبِيهِ، سَمِعْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، يَقْرَأُ في المَغْرِبِ بالطُّورِ ولَمْ أسْمَعْهُ زَادَ الذي قالوا لِي).
وهذا يدل على أن من كان خارج المسجد يسمع التلاوة في الصلاة، فقد سمع جبير الطور من النبي صلى الله عليه وسلم قبل إسلامه.
و- في صحيح البخاري أن أبا بكر: (ابتنى مسجدا بفناء داره وبرز فكان يصلي فيه ويقرأ القرآن، فيتقصّف عليه نساء المشركين وأبناؤهم يعجبون وينظرون إليه، وكان أبو بكر رجلا بكاء لا يملك دمعه حين يقرأ القرآن، فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين) والتقصف هو الازدحام والاكتظاظ.
وهذا يدل على سماع التلاوة في الصلاة من خارج المسجد، وأن الحاجة لم تكن قائمة لوسائل أخرى لاسماع من هم خارج المسجد، بخلاف عصرنا هذا الذي لا تسمع التلاوة ومعرفة كون الناس في صلاة إلا بوسائل أخر، فهل من اتخذ أي وسيلة لمعرفة بقاء الناس في الصلاة من مسافرين أو غيرهم ليدركوا الصلاة مع الإمام يكون مبتدعاً؟
——
ومما سبق يتبين ما يلي:
١- استبدال الأذان والإقامة بوسائل أخرى لمعرفة دخول الوقت أو الإعلام بالإقامة، بدعة، لكون الأذان والإقامة عبادة، وفي الحديث: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد).
والقاعدة: العبادات توقيفية.
٢- الوسائل للعبادة المشروعة، ليست توقيفية.
والقاعدة: الوسائل لها أحكام المقاصد، من حيث المشروعية وعدم مشروعية، لا بمعنى أن الوسيلة إلى التوقيفي توقيفي.
ولهذا تجوز مكبرات الصوت للأذان والإقامة، ووضع الخطوط لمساواة الصفوف، ومعرفة الأذان والإقامة عن طريق الساعات والمنبهات ونحو ذلك كثير.
فكلها وسائل للتوصل إلى المشروع والإعانة عليه، وليست عبادة في ذاتها حتى تكون بدعة، وإنما يتعبد لله بكونها وسيلة للمشروع من العبادات.
والقاعدة: المعين كالفاعل -وقد سبقت في القواعد-.
٣- فإن قيل: كل ما توفر سببه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفعله، مع وجود المقتضي وانتفاء المانع، فتركه هو السنة.
فالجواب عنه:
أ- على فرض توفر سببه مع وجود المقتضي وانتفاء المانع، فيسلم بذلك على أنه خلاف السنة، ولكن لا يلزم من مخالفة السنة الوقوع في البدعة، بل ما كان داخلاً في عموم النصوص التي تدل على المشروعية لا يكن بدعة -وقد سبق تقريره في القواعد الفقهية والأصولية على الشبكة العنكبوتية-.
ب- عدم التسليم بتوفر سببه في عهد النبوة، فإن التلاوة في الصلاة ومعرفة كونها مقامة لمن كان خارج المسجد في عصر النبوة كانت ممكنة، بخلاف عصرنا إلا بمكبرات الصوت، أو الإضاءة الدالة على ذلك، أو غيرهما من الوسائل.
تنبيه: حكم الحاكم يفصل النزاع فيما رفع إليه مما وقع فيه الاختلاف في قضايا القضاء المعينة، إذا كان أهلاً للاجتهاد، لا في الفتاوى العامة: (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول) وكان كثير من الصحابة يخالف عمر وغيره من الخلفاء في الأحكام الشرعية، ولم يقل قولي يفصل النزاع في المسألة، بل يتحاكمون فيما اختلفوا فيه إلى الكتاب والسنة.
وقد اختلف الصحابة في القدوم على أرض الشام لما أخبروا أن بها المرض المعدي الطاعون، وكانوا بقيادة عمر رضي الله عنه.
وبناء على ما سبق فإن وضع إضاءة على أعلى المنارة تدل على دخول الإمام في الصلاة لا تعتبر بدعة، بل هي من الوسائل التي تدل على بقاء الناس في صلاتهم ليدرك من كان خارج المسجد الجماعة.
وليست في ذاته عبادة، وليس فيها استبدال العبادة بها.
والله أعلم.
كتبه : محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة/ جامعة أم القرى / مكة المكرمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق