إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأرشيف

نبذه قصيرة عني

الشيخ د.محمد بن سعد هليل العصيمي-حفظه الله

الأستاذ المشارك بجامعة أم القرى - بمكة المكرمة - بقسم الشريعة والدراسات الإسلامية

آخر المـسـائـل

اخر المواضيع

اخر المواضيع

المشاركات الشائعة

الثلاثاء، 9 مايو 2023

حكم المولاة في الوضوء // لفضيلة الشيخ د. محمد بن سعد الهليل العصيمي -حفظه الله-.


 حكم المولاة في الوضوء :

—————————————


1 - قال تعالى: ﴿ يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم ﴾ الآية.

فلأول شرط، والثاني جواب، وإذا وجد الشرط - وهو القيام إلى الصلاة - وجب ألا يتأخر عنه جوابه، وهو غسل الأعضاء. .


2  -  روى مسلم، قال: حدثني سلمة بن شبيب، حدثنا الحسن بن محمد بن أعين، حدثنا معقل، عن أبي الزبير، عن جابر، أخبرني عمر بن الخطاب أن رجلاً توضأ فترك موضع ظفر على قدمه، فأبصره النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((ارجع فأحسن وضوءك))، فرجع ثم صلى).


الأمر بالرجوع ليحسن الوضوء  يحتمل إكمال ما لم يصبه الماء،  وحينئذ لا يدل على اشتراط الموالاة ويحتمل بإعادة الوضوء حتى يصيب الماء سائر أعضاء الوضوء، فحينئذ يدل على اشتراط الموالاة ، والأدلة الأخرى تدل على الاحتمال الثاني، إذ قاعدة الراسخين في العلم أنهم يردون المتشابه الذي يحتمل أكثر من احتمال إلى المحكم الذي لا يدل إلا على معنى واحداً.


قال القاضي عياض: في هذا الحديث دليل على وجوب الموالاة في الوضوء؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((أحسن وضوءك)) ولم يقل: اغسل ذلك الموضع الذي تركته،

وقال نحوه القرطبي في المفهم


3 - روى الإمام  أحمد، قال: حدثنا إبراهيم بن أبي العباس، حدثنا بقية، حدثنا بحير بن سعد، عن خالد بن معدان، عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي، وفي ظهر قدمه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعيد الوضوء).

ورواه أيضاً أبو داود قال الأثرم: قلت: لأحمد: هذا إسناد جيد؟ قال جيد وصححه الألباني 


وفي إسناده بقية  بن الوليد وهو وإن صرح بالتحديث من شيخه فقد عنعن في شيخ شيخه وهو متهم بتدليس التسوية فلا يقبل منه ذلك. 

فالمدلس تدليس التسوية يشترط في تصحيح حديثه التصريح بالسماع في جميع طبقات السند .


4 - روى  اِبْن مَاجَهْ مِنْ طَرِيق اِبْن لَهِيعَة عَنْ أَبِي الزُّبَيْر عَنْ جَابِر عَنْ عُمَر بْن الْخَطَّاب قَالَ : " رَأَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا تَوَضَّأَ فَتَرَكَ مَوْضِع الظُّفُر عَلَى قَدَمه , فَأَمَرَهُ أَنْ يُعِيد الْوُضُوء وَالصَّلَاة قَالَ فَرَجَعَ " 



فرواية ابن ماجة هذه من حديث عمر بنحوه وفي سنده ابن لهيعة- وهو ضعيف - يرتقي بغيره إبى درجة الحسن لغيره .

فهو ضعيف لا يقبل تفرده بالحديث ، بل يقبل في المتابعات والشواهد.


ورواية الإمام أحمد وأبي داود مع ضعفها لكون بقية بن الوليد في السند إلا أن رواية ابن ماجة التي فيها ابن لهيعه ، ترتقي بالحديث إلى كونه حسناً على أقل أحواله ، مما يدل على اشتراط المولاة الوضوء وهو مذهب الحنابلة ، وهو الأقرب في نظري والعلم عند الله تعالى .


5 - ولأن الوضوء عبادة يفسدها الحدث، فاشترط لها الموالاة كالصلاة.


6 - ولأن الوضوء عبادة واحدة، فإذا فرق بين أجزائها، - تفريقاً طويلاً عرفاً - لم تكن عبادة واحدة.


7- فإن قيل :  الله - سبحانه وتعالى - أمر بغسل هذه الأعضاء في الوضوء، ولم يوجب الموالاة، فكيف غَسَلَ هذه الأعضاء فقد امتثل الأمر.

فالجواب : القاعدة تأخير البيان عن وقت الخطاب يجوز ، وتأخير الخطاب عن وقت الحاجة لا يجوز .

وهذا من تأخير البيان عن وقت الخطاب ، فلا إشكال والحالة تلك .


8 - فإن قيل : القياس على غسل الجنابة؛ وذلك لأن الوضوء إحدى الطهارتين، فإذا كانت الموالاة لا تجب في غسل الجنابة، لم تجب في الوضوء.


فالجواب : بعدم التسليم بأن غسل الجنابة لا تجب فيه الموالاة ، بل تجب ، لكونها عبادة واحدة ، لا يمكن يبنى بعضها على بعض بدون موالاة ، والتأخير اليسير عرفاً  بين الأعضاء لا يضر بالإجماع .


9 - فإن قيل تسقط المولاة في حال العذر والنسيان- كما هو قول المالكية -:


أ - وذلك لكون  أصول الشريعة في جميع مواردها تفرِّق بين القادر والعاجز، والمفرِّط والمعتدي ومن ليس كذلك، فمن ترك الموالاة لعذر كما لو كان المكان الذي يأخذ منه الماء لا يحصل له إلا متفرقًا، أو انقطع الماء فطلب ماء آخر، أو لغير ذلك من الأعذار، فإن هذا لم يمكنه أن يفعل ما أمر به إلا هكذا، فإذا حصل له ماء آخر فأكمل وضوءه، فقد اتقى الله ما استطاع، ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها.


فالجواب عنه : سقوط واجب الموالاة للعجز عنه ، يسقط الواجب لوجود العجز كسائر الواجبات .

والقاعدة : الواجبات تسقط بالعجز عنها ( لا يكلف الله نفساً إلا وسعها).هذا إذا كان العذر لعدم القدرة على الوضوء وينتقل إلى بدله وهو التيمم .

وأما إذا انقطع الماء ثم رجع فإنه يعيد الوضوء  ما لم يكن انقطاعاً يسيراً عرفاً بحيث يمكن أن يبني آخره على أوله .

 


ب - القياس على قراءة الفاتحة، فكما أنها تجب الموالاة في قراءة الفاتحة، ولو سكت في أثناء الفاتحة سكوتًا طويلاً لغير عذر، وجب عليه إعادة قراءتها، ولو كان السكوت من أجل قراءة الإمام، أو فَصَلَ بذكر مشروع كالتأمين ونحوه، لم تبطل الموالاة، فإذا كان ذلك كذلك مع أن الموالاة في الكلام أوكد من الموالاة في الأفعال، فإذا فرق بين أفعال الوضوء لعذر، لم يكن ذلك قاطعًا للموالاة.


فالجواب : أن الفصل اليسير عرفاً لا يضر بالإجماع .

وأما إذا كان طويلاً، فإن قاعدة النسيان : الموجود ينزل منزلة المعدوم في النسيان، والمعدوم لا ينزل منزلة الموجود .

- وقد سبق تقريرها في كتابنا : القواعد الفقهية والأصولية -. بأدلتها .

 


ج - القياس على الطواف والسعي، ومعلوم أن الموالاة في الطواف والسعي أوكد منه في الوضوء، ومع هذا فتفريق الطواف لمكتوبة تقام، أو صلاة جنازة تحضر ثم يبني الطواف ولا يستأنف، فإذا كان مثل هذا التفريق جائزًا، فالوضوء أولى بذلك.


والجواب : أن الصلاة من جنس الطواف ( الطواف بالبيت صلاة إلا أنه أذن لكم بالكلام فيه ). ثم هو فاصل يسير .

وكذا يقال في السعي ( إنما جعل الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة لإقامة ذكر الله ) فإذا كان ذكر الله في السعي فذكره في الصلاة أفضل ، وعلى فرض عدم صحة ذلك فإنه من الفاصل اليسير الذي لا يمنع من بناء آخره على أوله .

 

د - ما رواه البخاري، من طريق ابن سيرين، عن أبي هريرة قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي - قال ابن سيرين: سماها أبو هريرة ولكن نسيت أنا - قال: فصلى بنا ركعتين، ثم سلم، فقام إلى خشبة معروضة في المسجد، فاتكأ عليها كأنه غضبان، ووضع يده اليمنى على اليسرى، وشبك بين أصابعه، ووضع خده الأيمن على ظهر كفه اليسرى، وخرجت السرعان من أبواب المسجد فقالوا: قصرت الصلاة، وفي القوم أبو بكر وعمر فهابا أن يكلِّماه، وفي القوم رجل في يديه طول يقال له: ذو اليدين، قال: يا رسول الله، أنسيت أم قصرت الصلاة؟ قال: ((لم أنس ولم تقصر))، فقال: ((أكما يقول ذو اليدين؟))، فقالوا: نعم، فتقدم فصلى ما ترك... الحديث .


فالجواب : أن هذا فاصل ليس بالطويل عرفاً، وكان مبنياً على جهل أنهم ظنوا أن الصلاة قد انتهت .


وقاعدة الجهل في المحظور وجود الشيء فيه كعدمه .

كما تكلم الرجل في حديث معاذ بن الحكم لما عطس الرجل فقال الإخر : رحمك الله .

ولم يؤمر بالإعادة ، والله أعلم .


وبناء علىزما سبق : يترجح قول السادة الحنابلة في اشتراط الموالاة في الوضوء ، والله أعلم .


كتبه / محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعك أم القرى / مكة المكرمة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شحن السلع مجاني

الشراء عبر الإنترنت - وطرق شحن معتمدة

حجز السلع عبر الإنترنت