حكم الأكل من الدجاج المستورد من بلاد النصارى :
حكم من غلب على ظنه ذبح الذبائح على غير الطريقة الشرعية وهم ممن يجوز أكل ذبائحهم :
———————-
فمثلاً ينتشر في عصرنا عند كثير من دول النصارى ذبح الذبائح بطريقة الوخز أو الصعق الكهربائي بحيث تكون هي الصفة السائدة في مجتمعاتهم ودولهم ، وما وجد من غير ذلك نادر ولا يكاد يذكر، فهل يجوز أكل ذبائحم على أصل أنهم نصارى ، ويجوز أكل ذبائح اليهود والنصارى من حيث الأصل ما لم يعلم أن طريقتهم غير شرعية .
فإن المسلم يجوز أكل ذبيحته ما لم نعلم أنه ذبحها على غير الطريقة الشرعية فأهل الكتاب من باب أولى .
أم يقال : لا يجوز أكل ذبائهم ما دام أن الطريقة السائدة في بلادهم الذبح بغير الطريقة الشرعية ، ووجود الطريقة الشرعية في الذبح عندهم نادرة ، وهذا في نظري أقرب ،
وهو القول بعدم جواز أكل الذبائح في بلاد النصارى التي عندهم الطريقة السائدة في الذبح هو الوخز أو الصعق الكهربائي، ووجود غير هذه الطريقة نادر .
وذلك للأسباب التالية :
1 - الأصل في باب الصيد والذبح : الحرمة .
فإن قيل : إن هذا الأصل يقدم عليه أصل أقرب منه ، وهو أن الأصل : حل ذبائح أهل الكتاب ، والقاعدة : الأصل الأقرب، مقدم على الأصل الأبعد .
فالجواب : نعم نسلم بذلك ، ولكن الأصل أضعف الأدلة بالإجماع - كما ذكر هذا الإجماع شيخ الإسلام ابن تيمية - فلا يجوز الإفتاء به حتى يبحث عن بقية الأدلة .
وهذا الأصل عارضه الظاهر : وهو العرف في تلك البلاد هو الذبح عن طريق الوخز أو الصعق الكهربائي.
نعم لو وجدت الطريقة الشرعية وغير الشرعية على حد سواء فإن الأصل يرجح حل ذبائح النصارى ما لم يعلم أنها غير شرعية في تلك الذبيحة المعينة .
2 - إذا تعارض الأصل والظاهر قدم الظاهر ، وقد تم تقرير هذه القاعدة في كتاب القواعد الفقهية والأصولية .
والظاهر ههنا الذبح بغير الطريقة الشرعية في تلك البلاد التي عرف الذبح عندهم بالوخز أو الصعق الكهربائي.
3 - ولأن غلبة الظن تنزل منزلة اليقين عند تعذر اليقين .
وغلبة الظن أن هذه الذبيحة المعينة ذبحت بحسب الذبح السائد في بلادهم .
4 - فإن قيل : القاعدة : السؤال عن الشرط المتوقع عدمه غير مشروع ، والسؤال عن المانع المتوقع مشروع .
وذلك جمعاً بين حديث عائشة رضي الله عنها : أن أقواماً يأتوننا بلحوم لا ندري أذكروا اسم الله عليها أم لا ؟
فقال صلى الله عليه وسلم :( سموا أنتم وكلوا ). وهذا في عدم تأثير الشرط المتوقع عدمه .
وبين حديث أبي قتادة رضي الله عنه ، قال : توفي رجل منا- من الأنصار - فغسلناه وكفناه ، وأتينا به النبي صلى الله عليه وسلم ، فقلنا : تصلي عليه ، فخطا خطأً ثم قال :( هل عليه دين ؟ ) فقلنا :ديناران ، فقال :( صلى على صاحبكم ، فقال أبو قتادة : الديناران علي يارسول الله، فقال ( حق الغريم وبريء منهما الميت ، فقال : نعم ، ( فصلى عليه ) .
فإذا أمكن قضاء دين الميت من تركته أو من متبرع أو من بيت مال المسلمين ، يصلى عليه، وإن لم يمكن ذلك فإن من له شأن وكلمة من المسلمين ينبغي أن لا يصلي عليه زجراً للناس عن الدين ويصلي عليه بقية المسلمين .
وهذا الحديث في مشروعية السؤال عن المانع المتوقع .
والجواب عن ذلك : أن السؤال عن الشرط المتوقع عدمه تنطع فيما إذا لم يخالفه الظاهر .
بمعنى أن الشرط المتوقع عدمه إما لكونه خالف الأصل كسؤال المسلم عن ذكر التسمية عند ذبح الذبيحة المقدمة من قبله للأكل ، فهذا تنطع ، وفي الحديث( هلك المتنطعون ).
وإما لكونه خالف الظاهر : وهو السائد الذي مخالفته نادرة ، فهذا ليس من التنطع في شيء.
أما في البلاد التي توجد فيها الطريقة المشروعة وغيرها وهما سائدتان ، وهي بلاد نصارى من حيث الأصل مع احتمال وجود الملاحدة ومن ليس من أهل الكتاب من الكفار ، فنأخذ بالأصل : من جواز أكل ذبائح اهل الكتاب .
( اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم …). والله أعلم .
كتبه / محمد بن سعد المهلهل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة ألقرى / مكة المكرمة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق