حكم شراء مدة السجن بمبالغ مالية :
———————
يتضح حكم هذه المسألة في النقاط التالية :
1 - من يمنع التعزيز بالمال - وهم جمهور العلماء-
لا يجيزون شراء مدة المحكومية بالمبالغ المالية .
وقد سبق بيان هذه المسألة - حكم التعزير بالمال - وتقرر جواز التعزير بالمال على الأرجح .
2 - لا يجوز الدفع بالأغلظ- ومنه التعزير - مع امكان الدفع بالأسهل.
فإذا أمكن الزجر بالأخف لا يجوز التعزير بأغلظ منه .
وبناء على ذلك : من أخذت منه عقوبة تعزيرية بألف مع أنه ينزجر بخمسمائة، فما زاد عن الحد الأدنى حلال دفعه للدافع - كفاً للضرر عنه - حرام على الآخذ .
والقاعدة : إنما الظلم يوجب التحريم على الطالم لا على المظلوم .
- وقد سبق تقريرها بأدلتها في القواعد -.
- فإن قيل : إن هذا يختلف من شخص لآخر .
- فالجواب : العبرة بالأعم الأغلب - فيما ينزجر به الأعم الأغلب - لا بالقليل والنادر .
- والقاعدة : العبرة بالجنس لا بالفرد .
-
- 3 - لا يجوز شراء مدة المحكومية بالمال إذا كانت العقوبة حدية ، فمن يرى أن السجن من النفي في عقوبة الزنا من البكر - وهي جلد مائة وتغريب عام -
- فلا يجوز شراء مدة نفيه أو سجنه بالمال، لأن النفي والحالة تلك من العقوبات الحدية : وهي عقوبات محددة شرعاً على جرائم معينة .
- مع أن السجن أشد من النفي .ولهذا لا يعتبر السجن بدلاً منه على الأصح ، ففرق بين وضعه في مكان غير بلده - وهو ادعى لصلاحه - بحيث يكون المكان فسيحاً، وبين وضعه في مكان مغلق ضيق، فالضيق من المكان أشد من المكان الفسيح.
- ولكن هل يصار إليه عند الضرورة بدلاً من النفي عند عدم القدرة على نفيه: محل نظر وتأمل.
-
4 - يشترط في جواز شراء محكومية مدة السجن بالمال أن تكون المصلحة أعظم من المفسدة، فإذا كان الجاني لا يرتدع إلا بالسجن، وأخذ المال منه بدلاً من سجنه ليس له برادع ، فلا يجوز ذلك ، لأن مصلحة المجتمع في حمايته من هذا الإجرام لا تحصل بالمال منه والحالة تلك يقيناً أو غلبة للظن، لأن الهدف هو زجر الجاني وحماية المجتمع من الجرم فإذا كان هذا لا يتحقق بتعزيره بالمال ، وإنما بحبسه ، فلا يجوز أخذ المال منه بدلاً من السجن .
5 - كل من يتصرف لغيره يجب عليه أن يتصرف بالأصلح لذلك الغير .
والقاضي ونحوه يجب عليه أن يتصرف بالأصلح للجاني في العقوبة التعزيرية ، فربما تغريمه بالمال هو الأصلح للحاله بردعه عن جرمه، وربما يكون بالسجن أو بغيرهما ، فما يراه يليق بحاله لزجره وإصلاحه ، وكف جرمه عن مجتمعه فعله.ويجب عليه أن يكتفي بأقل ما يحقق ذلك في العقوبات التعزيرية ،.
6 - المسألة في حكم شراء المدة بالمال، وهل يقاس عليه غيرهكأن يشتري مدته بتبرعه بكليته عند من يجيز التبرع بالأعضاء ، يتوجه الجواز عند من يرى جواز بيع الأعضاء.
7 - كونه يشري منفعة نفسه بماله بالنسبة له : لا إشكال فيه : لأنه من بذل المال على منفعة لا على انتفاع.
- وقد سبق في القواعد التفريق بين المنفعة والانتفاع .
ومسألتنا هذه هي في حكم قبول شرائه لمدة سجنه .
8 - فإن قيل : إن هذه المسألة ليست من التعزير بالمال، وإنما هي من باب اسبتدال سجنه بمال ، فتكن هذه منفعة مملوكة للمسلمين اشتراها.
فالجواب : أن العبرة في العقود بالمعاني لا بالألفاظ والمباني، فالمعنى فيهما واحد ، وتغيير المسميات لا يغير الحقائق ، سواء سميت باستبدال أو شراء.
ثم إن النتيجة واحدة من كون التعزير حصل له من الحاكم الشرعي ابتداء، أو استبدل الجاني عقوبته بعد ثبوتها عليه بماله.
والله أعلم .
كتبه / محمد بن سعد المهلهل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق